من يستبيح بيت رئيس الحكومة؟ .. التوحش الافتراضي أخطر من الخصومة السياسية - بلس 48

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

وسط صمتٍ مطبق من الأحزاب السياسية، والجمعيات الحقوقية، واللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، يطفو سؤال لا يمكن التهرب منه: من يستبيح المعطيات الخاصة لرئيس الحكومة؟ ولحساب من يتم العبث ببيانات شخصية يفترض أنها محصَّنة بالقانون، ومصونة بالدستور، قبل أن يكون صاحبها رجل دولة ومسؤولاً سياسياً؟

إن نشر إحداثيات منزل رئيس الحكومة وعنوانه الشخصي على منصات التواصل الاجتماعي في غمرة ما يُعرف إعلامياً بـ”احتجاجات جيل Z” ليس مجرد “تسريب عرضي”، بل هو فعل متكامل الأركان، مكتمل النيّة، يهدد أمنه وأمن أسرته، خصوصاً مع الدعوات التحريضية إلى “الزحف” على منزله.

هذه ليست حرية تعبير، وليست حقاً في المعلومة، بل جريمة تهدد سلامة مواطن قبل أن يكون رئيساً للسلطة التنفيذية، وتكشف خطورة “التوحش الافتراضي” الذي بات يتغذى على التحريض و”التهييج الرقمي”.

الأخطر أن الاستهداف لم يتوقف عنده وحده، بل طال بعض المقربين منه، في إشارة صريحة إلى أن الهدف ليس نقد السياسة العمومية أو محاسبة القرارات الحكومية، وإنما تحويل الإنسان إلى “غنيمة” للفضح والتشهير.

هذا التجريد من أبسط حقوق الخصوصية والأمان المعنوي يفضح حجم الانحدار الذي وصل إليه “التجييش الرقمي”، حيث صار “اليوتوبرز” و”التيكتوكرز” وصفحات مأجورة تقود حملات ترهيب تستبيح الحياة الخاصة باسم الإثارة والسبق، وتحوِّل الخلاف السياسي إلى انتقام شخصي.

والسؤال المؤلم: لمصلحة من؟ هل الغاية هي النيل من هيبة الدولة عبر ضرب مؤسسة تحتل المرتبة الثانية في هرم السلطة بعد المؤسسة الملكية؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون ثمرة مباشرة لفوضى مقننة تغذيها عقلية التحريض وشراء الولاءات الافتراضية؟

ما يضاعف خطورة هذا العبث هو الصمت المريب. أين الأحزاب السياسية التي كان يفترض أن ترفع الصوت دفاعاً عن رجل دولة، قبل أن يكون خصماً أو منافساً؟ أين الجمعيات الحقوقية التي دأبت على إصدار البيانات في قضايا أقل بكثير؟ أين اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية، التي أُنشئت أصلاً لردع مثل هذه الانتهاكات؟ أليس رئيس الحكومة مواطناً يستحق الحماية؟ أم أن الخطاب الحقوقي والسياسي صار يُمارَس بانتقائية فاضحة؟

إن ما يقع اليوم ليس حادثة عابرة، حين يُستباح المسؤول الأول في الجهاز التنفيذي بهذا الشكل، فإن الرسالة موجهة إلى كل مواطن: لا أمان لكم في حياتكم الخاصة، إذا كنتم هدفاً لحملة رقمية منظمة أو حساب مجهول. هنا، لا تُمس هيبة رئيس الحكومة وحده، بل هيبة الدولة بكاملها، وقيم التعايش السياسي التي ميّزت المغرب عن كثير من محيطه.

لقد آن الأوان لوضع الأمور في نصابها: حماية رئيس الحكومة من التشهير الرقمي ليست امتيازاً شخصياً، بل هي دفاع عن مبدأ. مبدأ أن لكل مواطن الحق في أن يعيش آمناً في بيته، بعيداً عن سيف الابتزاز والتهديد الرقمي.

والصمت في هذه اللحظة ليس حياداً، بل تواطؤ مقنَّع مع عقلية التجييش والتخويف والترهيب عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ومن يظن أن الاستهداف سيقف عند رئيس الحكومة واهم؛ لأن ترك الباب مشرعاً أمام هذه الممارسات يعني أننا جميعاً على اللائحة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق