يواجه القطن المصري، المعروف بـ"الذهب الأبيض"، أزمة كبيرة في موسم 2024-2025، حيث تشير تقديرات وزارة الزراعة المصرية إلى تراجع الإنتاج بنسبة 34.6%، من 91 ألف طن في الموسم الماضي إلى 59.5 ألف طن هذا العام.
يأتي هذا الانخفاض في وقت تسعى فيه مصر لتعزيز صناعتها النسيجية، مما يثير تساؤلات حول أسباب هذا التراجع وتداعياته الاقتصادية.
ويستعرض هذا التقرير، من بانكير، الأسباب الرئيسية، التأثيرات، والجهود الحكومية لمواجهة الأزمة.
تراجع إنتاج القطن المصري في 2025
ووفقًا لوزارة الزراعة المصرية، يتوقع أن يصل إنتاج القطن في الموسم الحالي (أغسطس 2024 – يوليو 2025) إلى 59.5 ألف طن، مقارنة بـ91 ألف طن في الموسم السابق، بانخفاض نسبته 34.6%.
وهذا التراجع يعكس ثاني أدنى مستوى تاريخي للإنتاج، بعد موسم 2016 الذي سجل 31 ألف طن فقط عبر 131 ألف فدان.
وتعتمد هذه التقديرات على حصر المساحات المزروعة، التي انخفضت بنسبة 37.6% إلى 195.6 ألف فدان مقارنة بـ311 ألف فدان في الموسم السابق، مع انخفاض متوسط إنتاجية الفدان.
وعلى الرغم من هذا التراجع، يظل المعروض القطني مرتفعًا نسبيًا بفضل المخزون المتبقي من الموسم السابق، والذي بلغ 53.3 ألف طن، ليصل إجمالي المعروض إلى 112.8 ألف طن، بزيادة 14.7% عن العام الماضي (107 آلاف طن).
وبدأ موسم الجني في سبتمبر 2025، مع اكتمال الحصاد في محافظات الوجه القبلي، بينما لا تزال محافظات الوجه البحري في ذروة الموسم.
أسباب تراجع إنتاج القطن في مصر
ويرجع هذا التراجع إلى عدة عوامل، أبرزها أزمات منظومة التسويق في الموسم الماضي، ووفقًا لنبيل السنتريسي، عضو اتحاد مصدري الأقطان، تسببت أسعار الضمان الحكومية (10-12 ألف جنيه للقنطار) في 2024، والتي فاقت الأسعار العالمية، في تأخير موسم التسويق لثلاثة أشهر، وهي الفترة الأكثر أهمية لتصدير نصف الإنتاج السنوي.

وأدى ذلك إلى تراكم المخزون وتعطيل المزادات، مما دفع المزارعين إلى التخلي عن زراعة القطن لصالح محاصيل أخرى، وفي الموسم الحالي، انخفضت أسعار البيع في مزادات الوجه القبلي بنسبة 30% إلى 7000 جنيه للقنطار، مقارنة بـ10 آلاف جنيه العام الماضي.
وإضافة إلى ذلك، تؤثر التحديات الزراعية مثل ندرة المياه وارتفاع درجات الحرارة على الإنتاجية، حيث تشير تقارير دولية إلى أن مصر قد تصنف كدولة تعاني من "نقص المياه" بحلول نهاية 2025، مما يحد من الري اللازم للقطن.
كما أدى غزو الآفات، مثل الذباب الأبيض، وانخفاض جودة البذور إلى خسائر تصل إلى 30% في بعض المناطق.
تأثيرات تراجع إنتاج القطن على الاقتصاد المصري
ويؤثر هذا التراجع بشكل مباشر على الصناعة النسيجية، التي تمثل 3% من الناتج المحلي الإجمالي وتوظف ثلث القوى العاملة الصناعية، ومع انخفاض الإنتاج المحلي، ارتفعت الواردات لتلبية احتياجات المصانع، مما زاد العبء على ميزان المدفوعات.
وفي الوقت نفسه، تراجعت الصادرات بسبب انخفاض الأسعار العالمية للقطن المصري، التي هبطت من 170 سنتًا للرطل في الموسم السابق إلى 135 سنتًا في بداية 2025، مع ارتفاع طفيف إلى 150 سنتًا مؤخرًا.
وهذا الوضع قد يؤدي إلى فقدان مصر لحصتها في سوق القطن الفاخر عالميًا، خاصة مع تنافس دول مثل الهند والولايات المتحدة.
الجهود الحكومية لإنقاذ قطاع القطن المصري
وتتخذ الحكومة المصرية خطوات لمواجهة الأزمة، من خلال المشروع القومي لتطوير الغزل والنسيج، الذي يهدف إلى زيادة الصادرات إلى 150 مليار دولار بحلول 2025.
وتشمل الإجراءات تحديد سعر ضمان للقنطار عند 12 ألف جنيه في 2025، مع دعم التقاوي والأسمدة عبر "كارت الفلاح".
كما أطلقت برامج تعاون مثل REEL مع CottonConnect لدعم المزارعين الصغار بتقنيات الزراعة المتجددة، مما أدى إلى تحسين الإنتاجية بنسبة 20% في المناطق التجريبية، وإضافة إلى ذلك، جذبت مدينة القنطرة غرب استثمارات أجنبية بقيمة مليار دولار لبناء مصانع نسيج متكاملة.
وعلى صعيد البحث العلمي، أعلنت وزارة الزراعة عن استنباط 5 أصناف جديدة من القطن بإنتاجية تصل إلى 10 قنطارات للفدان، مما يعزز الآمال في تحسين الإنتاج مستقبلًا، وتعمل الحكومة على توسيع الزراعة التعاقدية لضمان استقرار الأسعار وتشجيع المزارعين.
التوقعات المستقبلية لقطاع القطن في مصر
ورغم التحديات، تشير التوقعات إلى إمكانية زيادة الإنتاج بنسبة 30% بحلول 2026 إذا نجحت الإصلاحات الحالية، خاصة في مجالات الري الذكي والتكنولوجيا الزراعية.
ويمثل تراجع إنتاج القطن بنسبة 34.6% تحديًا كبيرًا، لكنه قد يكون فرصة لإعادة هيكلة القطاع، ومن خلال الاستثمار في التكنولوجيا والدعم الحكومي، يمكن لمصر استعادة مكانتها كمنتج رئيسي للقطن الفاخر.
0 تعليق