المهندسون.. الأبطال الصامتون في حرب أكتوبر ومعجزات العبور - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في السادس من أكتوبر عام 1973، سطر الشعب المصري ملحمة بطولية خالدة في تاريخ الأمة، كانت فيها القوات المسلحة على موعد مع النصر، وفي قلب هذه الملحمة وقف المهندسون المصريون كجنود مجهولين صنعوا المعجزات، ومهدوا الطريق أمام العبور العظيم وتحطيم أسطورة "الخط الذي لا يُقهر" — خط بارليف.

لم يكن النصر العسكري في حرب أكتوبر ناتجًا عن التفوق القتالي وحده، بل كان ثمرة عبقرية هندسية مصرية سبقت ساعة الصفر بشهور وسنوات من التخطيط والابتكار والعمل الميداني الدقيق.

 

أولًا: عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف.. معجزة هندسية مصرية

كان خط بارليف حصنًا منيعا بطول 170 كيلومترًا على الضفة الشرقية لقناة السويس، يتكون من تحصينات خرسانية وسواتر رملية بارتفاع يصل إلى 18 مترًا، مجهزة بمدافع ودشم ومخازن ووسائل دفاعية متقدمة. اعتقدت إسرائيل أن هذا الخط لا يمكن تجاوزه إلا باستخدام قنابل نووية أو عمليات حصار طويلة.

لكن عقول المهندسين المصريين قدمت الحل العبقري: استخدام مضخات المياه عالية الضغط لفتح ثغرات في الساتر الرملي خلال ساعات قليلة. تم تجهيز أكثر من 300 مضخة مياه قوية، استُخدمت لتفتيت الساتر وخلق ممرات تسمح بمرور القوات والمدرعات بسرعة، بدلاً من الطرق التقليدية التي كانت ستستغرق أيامًا وتكلف آلاف الضحايا.

خلال 6 ساعات فقط، تمكن المهندسون من فتح أكثر من 80 ثغرة في الساتر، وهو ما وصفته وسائل الإعلام الغربية حينها بأنه "معجزة هندسية".

 

ثانيًا: إنشاء الكباري والجسور تحت النيران

لعبت قوات المهندسين العسكريين دورًا محوريًا في إنشاء جسور عائمة وكباري معدنية فوق قناة السويس لنقل القوات الثقيلة والمدرعات. كان التحدي الأكبر هو تنفيذ هذه العمليات بسرعة وفي ظروف قتال شرسة، مع الحفاظ على سرية التوقيت والمواقع.

تم إنشاء أول جسر لعبور الدبابات في أقل من 9 ساعات من بدء العمليات، واستُخدمت تقنيات حديثة في تثبيت الكباري العائمة وتحملها للتيار المائي القوي، ما سمح بمرور أكثر من 1000 دبابة خلال الأيام الأولى من الحرب، وهو إنجاز غير مسبوق عالميًا في ذلك الوقت.

 

 

 

 

ثالثًا: تمهيد الأرض وإزالة الألغام

قبل وأثناء المعركة، قام المهندسون بعمليات تطهير واسعة للمناطق المحيطة بالقناة من الألغام والعوائق، وإزالة المخلفات العسكرية التي خلفتها حرب 1967. كما أنشأوا شبكات تمويه وخداع هندسي لتضليل العدو، منها تجهيز طرق بديلة ومواقع هيكلية تحاكي مواقع حقيقية لجذب نيران العدو بعيدًا عن القوات الأساسية.

 

رابعًا: التخطيط اللوجيستي والبنية التحتية

لم يقتصر دور المهندسين على الميدان فقط، بل شمل أيضًا تصميم بنية تحتية لوجستية معقدة لدعم المعركة، مثل بناء مخازن وقواعد تموين سرية وشبكات اتصالات ميدانية متقدمة لضمان استمرارية العمليات بكفاءة عالية.

 

نماذج من الأبطال المهندسين

* اللواء باقي زكي يوسف: صاحب فكرة استخدام مضخات المياه لفتح الثغرات في خط بارليف، وهي الفكرة التي كانت مفتاح العبور.

* قوات المهندسين العسكريين بكامل تشكيلاتها، التي شاركت في كل مراحل التحضير والعبور والتمركز.

* آلاف المهندسين المدنيين والعسكريين الذين ساهموا في التخطيط للمشروعات، ومد خطوط الإمداد، وحفر الخنادق، وبناء الطرق الميدانية وصيانة وإصلاح المعدات العسكرية.

 

الإنجاز الهندسي… علامة فارقة في التاريخ العسكري

اعترفت مراكز الدراسات العسكرية العالمية بأن ما حققه المهندسون المصريون في حرب أكتوبر غير مسبوق في تاريخ الحروب الحديثة، سواء من حيث السرعة أو حجم العمليات أو الابتكار التكتيكي.

لقد كانت الهندسة المصرية هي السلاح الصامت الذي شق الطريق أمام المدافع والجنود، لتتجلى عبقرية المصريين في ميدان القتال وميدان الابتكار معًا.

 

خاتمة

لم يكن نصر أكتوبر مجرد انتصار عسكري، بل كان انتصارًا للعقل والإرادة والتخطيط العلمي. والمهندسون المصريون كانوا في طليعة من صنع هذا النصر، بجهدهم وعلمهم وعرقهم، ليسطروا صفحات من المجد في سجل الأمة.

بقلم مهندس إستشاري مصطفي الشربيني عضو اللجنة الإستشارية العليا بنقابة المهندسين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق