محمود محيي الدين:النمو المستدام لا يتحقق ... - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
رسالة عُمان: صفاء لويس

مركز الثقل الاقتصادي يتحول شرقًا.. وأفريقيا تمتلك فرصًا غير مسبوقة للنمو

سلطنة عمان الدولة العربية الوحيدة التي حققت معادلة النمو المستدام حتى عام 2010

صعود الطبقة الوسطى في 31 دولة أفريقية يعزز التحول الاقتصادي في القارة

تراجع قدرات التمويل الدولية يدفع الأقاليم الكبرى لتأسيس آليات تمويل ذاتية في آسيا وأمريكا اللاتينية

تصاعد الدين الخارجي يهدد مستقبل التنمية في الدول النامية

التنويع الاقتصادي والتحول الرقمي أبرز مفاتيح النمو المستدام في الدول النامية

القطاع الخاص أكثر قدرة من الحكومات على قيادة التنمية وتصحيح المسار الاقتصادي

البيانات أصبحت الوقود الجديد للاقتصاد.. وجودتها تصنع فارقًا في قرارات الاستثمار

التركيبة السكانية الشابة قد تتحول من عبء إلى رافعة للنمو بشرط الاستثمار في التعليم والتدريب

معدلات النمو الاقتصادي بين 2 و4% غير كافية لدعم الصناعات الثقيلة وعلى رأسها الحديد والصلب

تراجع مرونة الجهاز البيروقراطي يعيق سرعة الاستجابة للتحديات الاقتصادية المتغيرة

الاطلاع على تجارب مجموعة الآسيان ضرورة لتعزيز الشراكات الاستثمارية والتمويلية العربية

القيود الحمائية لم تعد قرارًا سياسيًا عابرًا بل أصبحت توجهًا عالميًا متصاعدًا

استقرار سوق النقد الأجنبي والتشاور مع رجال الصناعة مفتاح دعم التنمية الصناعية

قال الدكتور محمود محيي الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة، إن تحقيق النمو الاقتصادي المستدام لا يقوم على القفزات المؤقتة أو الإنجازات السريعة، بل على القدرة على الحفاظ على معدلات نمو مرتفعة ومستقرة على مدى زمني طويل، مشيرًا إلى أن دراسة صادرة عن "لجنة النمو" أوضحت أن الدول التي تمكنت من الحفاظ على معدلات نمو تفوق 7% سنويًا لمدة 25 عامًا متواصلة أو أكثر، هي وحدها التي استطاعت ترسيخ أسس التنمية المستدامة الحقيقية.

وأوضح محيي الدين أن التجارب العالمية الناجحة تؤكد هذه الحقيقة بوضوح، إذ تمكنت دول جنوب شرق آسيا من تحقيق تلك المعادلة الصعبة وفي مقدمتها الصين والهند، بفضل استراتيجياتها القائمة على التخطيط بعيد المدى، والاستثمار في التعليم والبنية التحتية وتحفيز الإنتاجية والتصدير، وهو ما جعلها تنتقل من اقتصادات نامية إلى قوى اقتصادية مؤثرة عالميًا.

وأضاف أن المنطقة العربية لم تشهد سوى حالات محدودة استطاعت الاقتراب من هذا النموذج، وكانت سلطنة عُمان هي الدولة العربية الوحيدة التي تمكنت من الحفاظ على هذه الوتيرة من النمو حتى عام 2010، نتيجة لسياساتها الاقتصادية المتوازنة واستثمارها في التنويع الاقتصادي وتوظيف عائدات النفط في بناء الإنسان والبنية التحتية، مما جعل تجربتها نموذجًا يُحتذى في إدارة الموارد لتحقيق الاستدامة.

وأكد محيي الدين أن هذه المعادلة تمثل حجر الزاوية لأي رؤية وطنية تسعى إلى تحقيق التنمية الشاملة، داعيًا الدول إلى التركيز على الإصلاحات الهيكلية التي تضمن استمرارية النمو عبر الاستثمار في رأس المال البشري والحوكمة الرشيدة والقطاع الخاص والابتكار، بدلاً من الاكتفاء بالنتائج السريعة التي قد لا تصمد أمام الأزمات أو التغيرات الاقتصادية العالمية.

رجل الأعمال أحمد عز

أوضح محيي الدين، أن الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة شديدة الصعوبة وغير مسبوقة في التعقيد، مؤكدًا أن ما يشهده العالم اليوم من تباطؤ في النمو وتراجع في الإنتاجية لا يُعزى فقط إلى الصدمات الخارجية التي تعرض لها خلال السنوات الأخيرة، مثل جائحة كورونا أو تداعيات الحرب في أوكرانيا، وإنما يعود بدرجة أكبر إلى التحولات البنيوية في النظام الاقتصادي العالمي، وعلى رأسها تصاعد النزعات الحمائية وتراجع روح التنافسية التي كانت تمثل جوهر الاقتصاد العالمي لعقود طويلة.

وأشار محيي الدين إلى أن السياسات الاقتصادية الحمائية التي تتبناها بعض الدول الكبرى، وما يصاحبها من قيود تجارية وسباق على الدعم الصناعي، قد أضعفت آليات السوق الحرة، وأثرت سلبًا على كفاءة توزيع الموارد، مما انعكس على تراجع معدلات النمو والإنتاجية في الاقتصادات المتقدمة، وأدى إلى تفاقم حالة عدم اليقين في الأسواق.

وأضاف أن هذه التغيرات العميقة أدت إلى تحول مركز الثقل الاقتصادي العالمي نحو الشرق، لاسيما مع صعود الاقتصادات الآسيوية الكبرى، التي استطاعت الحفاظ على معدلات نمو مرتفعة مدعومة بزيادة الإنتاجية وتطور البنية الصناعية والتكنولوجية، مشيرًا إلى أن هذا التحول لم يعد مجرد ظاهرة اقتصادية عابرة، بل أصبح اتجاهًا استراتيجيًا طويل الأمد يعكس إعادة توزيع القوة الاقتصادية والديموغرافية على مستوى العالم.

وأوضح محيي الدين أن الطبقة الوسطى في أوروبا والولايات المتحدة تتعرض لضغوط متزايدة نتيجة لتراجع القدرة الشرائية وارتفاع تكاليف المعيشة وتباطؤ النمو، وهو ما أدى إلى تغير طبيعة الطلب والاستهلاك في تلك الدول، في مقابل اتساع قاعدة الطبقة الوسطى في العديد من الاقتصادات الصاعدة، خصوصًا في آسيا وأفريقيا، حيث تتشكل شرائح جديدة من المستهلكين والمنتجين الذين يمثلون مستقبل النمو العالمي.

ولفت إلى أن القارة الأفريقية تمتلك فرصًا استثنائية في هذا التحول، إذ تضم اليوم 31 دولة من أصل 54 باتت تُصنف كدول متوسطة الدخل وعالية النمو، تشهد صعودًا واضحًا في حجم الطبقة الوسطى وتناميًا في الأسواق الداخلية، مما يجعلها أحد المحاور الرئيسة للنمو العالمي خلال العقود المقبلة، مؤكدًا أن الاستثمار في التعليم والبنية الأساسية والطاقة النظيفة سيكون المفتاح الحقيقي لتعظيم هذه الفرص وتحويلها إلى قصص نجاح تنموية مستدامة على غرار التجارب الآسيوية الناجحة.

قمة مسقط للصلبقمة مسقط للصلب

وحول قضية تمويل التنمية، شدد الدكتور محمود محيي الدين، على أن أزمة الديون أصبحت من أخطر التحديات التي تواجه الدول النامية، بل وتمثل العقبة الأكبر أمام قدرتها على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وأوضح أن ارتفاع مستويات الاقتراض الخارجي خلال السنوات الماضية، في ظل بيئة اقتصادية عالمية مضطربة وأسعار فائدة مرتفعة، أدى إلى تفاقم أعباء خدمة الدين بشكل غير مسبوق، بحيث أصبحت مخصصات سداد الديون تفوق الإنفاق على قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة في عدد من البلدان، وهو ما يُنذر بتداعيات اجتماعية واقتصادية بالغة الخطورة.

وأشار محيي الدين إلى أن الخلل في هيكل تمويل التنمية لا يتعلق فقط بحجم الديون، وإنما بنوعية التمويل ذاته، حيث تعتمد كثير من الدول على أدوات قصيرة الأجل مرتفعة التكلفة، بدلًا من التوجه نحو تمويلات إنتاجية طويلة الأمد قادرة على دعم النمو وخلق فرص العمل، مضيفًا أن هذا النمط من التمويل يؤدي إلى تآكل الموارد العامة بدلًا من تعظيمها، ويقيد قدرة الحكومات على تنفيذ برامج التنمية الطموحة.

وأكد أن مواجهة هذه الأزمة تتطلب مقاربة شاملة لإصلاح منظومة التمويل الدولية، تشمل خفض تكلفة الاقتراض للدول النامية، وإعادة هيكلة الديون بآليات أكثر عدالة ومرونة، وتفعيل مبادئ التمويل المختلط الذي يجمع بين الموارد العامة والخاصة، إضافة إلى تعزيز دور المؤسسات المالية الإقليمية في تمويل المشروعات الإنتاجية والبنية الأساسية.

وأضاف أن الاستثمار في الإنسان يجب أن يظل أولوية قصوى في أي خطة إصلاح مالي أو اقتصادي، مشددًا على أن تحويل الموارد الموجهة لسداد الديون إلى الاستثمار في التعليم والصحة والابتكار هو الطريق الحقيقي لتحقيق تنمية مستدامة قادرة على الصمود أمام الأزمات، مؤكدًا أن العالم في حاجة ماسة إلى تحالف دولي جديد للتمويل العادل يضمن للدول النامية مسارًا أكثر استدامة واستقلالية في تحقيق طموحاتها التنموية.

وفي سياق متصل، أكد الدكتور محمود محيي الدين، أن العالم يشهد تحولًا جذريًا في النظام الاقتصادي العالمي، مشيرًا إلى أن النظام الحالي، الذي تأسس عقب الحرب العالمية الثانية واستمر لعقود طويلة، لم يعد قادرًا على تلبية احتياجات المرحلة الراهنة، سواء من حيث العدالة في توزيع الموارد أو الكفاءة في إدارة الأزمات المالية والتنموية.

وأوضح محيي الدين أن العالم لم يعد كما كان، ولن تكون هناك منح أو عطايا أو مساعدات بلا مقابل كما كان الحال في الماضي، فالعلاقات الاقتصادية الدولية أصبحت أكثر واقعية ومبنية على المصالح المتبادلة، وليس على المساعدات أو الشعارات، مضيفًا أن الدول النامية لم يعد أمامها سوى الاعتماد على الذات، وتعزيز قدرتها التمويلية والإنتاجية من خلال سياسات إصلاحية مبتكرة وفاعلة، تتسق مع أولوياتها الوطنية وتستفيد من الشراكات الذكية مع القطاع الخاص والمجتمع الدولي.

قمة مسقط للصلبقمة مسقط للصلب

وأشار إلى أن النظام الاقتصادي العالمي الحالي في طور الانهيار وإعادة التشكل، حيث نشهد اليوم ملامح نظام اقتصادي جديد يقوم على تعددية الأقطاب وتنوع مصادر التمويل والتجارة، ويشهد صعود قوى اقتصادية إقليمية كبرى في آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، موضحًا أن هذه التحولات لم تأتِ صدفة بل جاءت كرد فعل طبيعي على تراجع فعالية المؤسسات المالية الدولية التقليدية مثل صندوق النقد والبنك الدولي في تلبية احتياجات الدول النامية ومواكبة حجم التحديات المتصاعدة.

ولفت إلى أن العديد من الأقاليم بدأت بالفعل في ابتكار تدابير تمويلية بديلة على النطاق الإقليمي، مثل إنشاء بنوك تنمية إقليمية وصناديق استثمار مشتركة في آسيا والصين وأمريكا اللاتينية، وذلك في محاولة لسد الفجوة التمويلية الناتجة عن تراجع قدرات التمويل من المؤسسات الدولية الكبرى.

وأكد محيي الدين أن هذه الاتجاهات الجديدة تعكس وعيًا متزايدًا لدى الدول بضرورة بناء منظومات تمويل مستقلة ومستدامة تركز على تعبئة الموارد المحلية وتدعم التكامل الإقليمي كوسيلة لتعزيز المرونة الاقتصادية في مواجهة الأزمات، مشددًا على أن نجاح هذا التحول يتطلب إدارة رشيدة، ومزيدًا من التعاون بين الدول النامية لإعادة صياغة موقعها في الاقتصاد العالمي الجديد.

وفي سياق تحليله لتداعيات التباطؤ الاقتصادي العالمي، أشار الدكتور محمود محيي الدين، إلى أن تراجع معدلات النمو الاقتصادي عالميًا أصبح يمثل أحد أخطر التحديات التي تواجه القطاعات الإنتاجية الثقيلة، وفي مقدمتها صناعة الصلب، التي تُعد مؤشرًا دقيقًا على صحة الاقتصاد الحقيقي في أي دولة.

وأوضح محيي الدين أن معدلات النمو الاقتصادي الحالية التي تتراوح بين 2% و4% في أغلب الاقتصادات الكبرى والناشئة، تعد معدلات ضعيفة وغير كافية لدعم قطاعات تحتاج إلى توسع في الاستثمار والإنتاج مثل قطاع الحديد والصلب، مشيرًا إلى أن الطلب العالمي على منتجات الصلب يرتبط ارتباطًا وثيقًا بدورات النمو في قطاعات التشييد والبنية التحتية والصناعة، وهي القطاعات التي تشهد تباطؤًا ملحوظًا نتيجة ضعف التمويل وارتفاع تكاليف التشغيل وتراجع حركة التجارة العالمية.

وأضاف أن استمرار هذا التباطؤ في النمو قد يؤدي إلى انكماش في الطلب على الصلب ومشتقاته خلال السنوات المقبلة، وهو ما يتطلب من الدول والشركات العاملة في هذا المجال إعادة النظر في استراتيجياتها الإنتاجية والتصديرية، والبحث عن أسواق جديدة وشراكات تمويلية مبتكرة لمواجهة هذه المرحلة من الركود النسبي في الطلب العالمي.

قمة مسقط للصلبقمة مسقط للصلب

وأكد أن تحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستدامة هو السبيل الوحيد للحفاظ على نشاط الصناعات الأساسية مثل الصلب، نظرًا لأنها ترتبط مباشرة بحجم الاستثمارات في مشروعات التنمية الكبرى والبنية الأساسية والتوسع العمراني، وشدد على أن تحفيز النمو الحقيقي يتطلب بيئة اقتصادية أكثر انفتاحًا وتنافسية بعيدًا عن النزعات الحمائية التي تضعف الإنتاج وتُقيد التجارة الدولية، مؤكدًا أن معالجة هذه الاختلالات باتت ضرورة لضمان استدامة سلاسل الإمداد العالمية وتوازن أسواق المواد الخام والصناعات الثقيلة.

وشدد الدكتور محمود محيي الدين، على أن تحقيق النمو الاقتصادي المستدام لا يتحقق بالصدفة أو عبر سياسات قصيرة المدى، وإنما من خلال حزمة متكاملة من العوامل الهيكلية التي تحفز الإنتاجية وتعزز التنافسية وتخلق فرص عمل حقيقية، موضحًا أن من أبرز هذه العوامل تنويع القاعدة الاقتصادية وعدم الاعتماد على مصدر واحد للدخل القومي، مشيرًا إلى أن الدول التي نجحت في تحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستدامة هي تلك التي توسعت في قطاعات اقتصادية متعددة، خاصة القطاعات غير النفطية مثل الصناعة والخدمات اللوجستية والتكنولوجيا والسياحة والزراعة الحديثة، وأضاف أن الاستثمار في رأس المال البشري يمثل الركيزة الأساسية لهذا التحول لأنه يضمن وجود قوة عاملة مؤهلة قادرة على الإبداع والابتكار وقيادة عجلة التنمية في المستقبل.

وأكد أن التحول الرقمي أصبح اليوم أحد المفاتيح الرئيسة لتحقيق قفزات اقتصادية نوعية، موضحًا أن الاستثمار في البنية التحتية الرقمية والذكاء الاصطناعي وأنظمة البيانات لم يعد ترفًا بل ضرورة لتعزيز الكفاءة والإنتاجية في مختلف القطاعات، كما شدد على أهمية تدريب وتأهيل الأفراد على المهارات الرقمية الحديثة بما يتماشى مع متطلبات أسواق العمل الجديدة، مؤكدًا أن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأكثر ربحًا والأطول أثرًا على التنمية.

وأشار محيي الدين إلى أن الدول التي استطاعت الدمج بين التنويع الاقتصادي والتحول الرقمي نجحت في بناء اقتصادات مرنة قادرة على مواجهة الصدمات، لافتًا إلى أن التجارب الآسيوية خير دليل على ذلك، حيث أسهم الاستثمار في المعرفة والتكنولوجيا في تعزيز النمو ورفع مستويات المعيشة وتقليل معدلات الفقر.

كما أكد محيي الدين، على أهمية تحقيق توازن دقيق بين دور الدولة والقطاع الخاص في قيادة عملية التنمية الاقتصادية، موضحًا أن التنمية الشاملة لا يمكن أن تبنى على طرف واحد من المعادلة بل تحتاج إلى تكامل الأدوار وتحديد واضح للمسؤوليات بين الطرفين.

وأوضح محيي الدين أن الدولة يجب أن تظل الضامن والمنظم للنشاط الاقتصادي والمراقب لحسن سير الأسواق ومنع الممارسات الاحتكارية، مع وضع الأطر القانونية والسياساتية التي تكفل العدالة وتكافؤ الفرص، إلا أن ذلك لا يعني أن تتولى الدولة بنفسها تنفيذ كل المشروعات أو قيادة كل القطاعات، وأضاف أن القطاع الخاص يجب أن يكون الشريك الرئيسي والمحرك الفعلي لعملية التنمية بما يملكه من مرونة وقدرة على الابتكار وسرعة في اتخاذ القرار والاستجابة للمتغيرات.

قمة مسقط للصلبقمة مسقط للصلب

وأشار إلى أن التجارب التنموية الناجحة عالميًا سواء في شرق آسيا أو أوروبا أو حتى بعض الدول العربية، أثبتت أن الدور الفاعل للقطاع الخاص هو أحد المفاتيح الأساسية لتحقيق النمو المستدام، في حين أن الاقتصادات التي تعتمد على البيروقراطيات الحكومية المترهلة تجد صعوبة في مواكبة التغيرات السريعة في الأسواق العالمية، نظرًا لبطء آليات اتخاذ القرار وارتفاع الكلفة السياسية لأي تعديل في السياسات أو تصحيح للأخطاء.

وشدد محيي الدين على أن تدخل الدولة في النشاط الاستثماري يجب أن يكون تدخلًا محسوبًا ومدروسًا، يستهدف سد الفجوات التي لا يستطيع القطاع الخاص وحده تغطيتها مثل الاستثمار في البنية الأساسية والمرافق العامة، أو تحفيز قطاعات جديدة واعدة تحتاج إلى دعم مبدئي قبل أن تصبح قادرة على جذب المستثمرين.

وأضاف أن القطاع الخاص يتمتع بميزة نسبية تتمثل في قدرته على تصحيح الأخطاء بسرعة ودون تردد، بعكس الجهاز الحكومي الذي قد يتردد في اتخاذ قرارات تصحيحية خوفًا من التبعات السياسية أو الإدارية، مؤكدًا أن مرحلة التحول الاقتصادي الحالية في العالم وما تشهده من تغيرات هيكلية متسارعة، تتطلب تفعيل هذا التوازن بوعي وجرأة بحيث تتولى الدولة دور الموجه والمحفز، ويقود القطاع الخاص التنفيذ والإبداع في ظل بيئة تنظيمية مستقرة وواضحة.

كما أوضح محيي الدين، أن التركيبة السكانية تمثل عنصرًا حاسمًا في معادلة التنمية، يمكن أن تكون إما رافعة قوية للنمو أو عبئًا اقتصاديًا واجتماعيًا إذا لم تُدار بالشكل الصحيح، وأكد أن الدول التي تمتلك قاعدة سكانية شابة مثل العديد من الدول العربية والأفريقية، تملك في الحقيقة فرصة تاريخية لتحقيق طفرة تنموية حقيقية، شريطة أن تستثمر في الإنسان باعتباره المحرك الأول لأي نهضة اقتصادية.

وأشار إلى أن الشباب هم رأس المال البشري الأكثر قيمة، لكن قيمتهم الحقيقية لا تتحقق إلا من خلال التعليم الجيد والتدريب المستمر والرعاية الصحية الشاملة التي تمكنهم من المشاركة الفاعلة في سوق العمل والإنتاج، وأضاف أن الدول التي استطاعت تحويل شبابها إلى قوة منتجة "كما حدث في تجارب شرق آسيا على سبيل المثال" لم تفعل ذلك عبر وفرة الموارد بل من خلال الاستثمار في البشر، وتأهيلهم بالمهارات التي يتطلبها الاقتصاد الحديث القائم على المعرفة والتكنولوجيا والابتكار.

وأوضح أن التركيبة السكانية الشابة ليست عبئًا كما يظن البعض، بل هي طاقة كامنة قادرة على دفع عجلة النمو الاقتصادي وتعزيز الإنتاجية إذا توافرت السياسات الصحيحة في مجالات التعليم الفني والجامعي، والتأهيل المهني، والرعاية الصحية الوقائية والعلاجية، لافتًا إلى أن إهمال هذه الجوانب يجعل الشباب عرضة للتهميش أو البطالة، ما يحول الميزة الديموغرافية إلى عبء اقتصادي واجتماعي يصعب معالجته لاحقًا.

وشدد محيي الدين على أن الاستثمار في الإنسان لا يقل أهمية عن الاستثمار في البنية الأساسية أو التحول الرقمي، بل هو الأساس الذي تُبنى عليه كل عناصر التنمية المستدامة، مؤكدًا أن تهيئة بيئة صحية وتعليمية وتدريبية متكاملة للشباب هي الضمانة الحقيقية لاستدامة النمو وتحقيق العدالة بين الأجيال، بحيث يتحول المورد السكاني من تحدي إلى فرصة تنموية كبرى تعزز قدرة الدول على المنافسة في الاقتصاد العالمي الجديد.

كما أكد محيي الدين، أن البيانات أصبحت اليوم هي الوقود الحقيقي للاقتصاد العالمي، والعنصر الأهم في دعم قرارات التنمية والتخطيط الاستراتيجي، مشيرًا إلى أن جودة البيانات ودقتها وسهولة الوصول إليها تمثل الفارق بين الاقتصادات التي تتقدم بخطوات ثابتة وتلك التي تتحرك في دوائر من التقديرات والاجتهادات غير الدقيقة.

رجل الأعمال أحمد عزرجل الأعمال أحمد عز

وأوضح أن العصر الحديث لم يعد يعتمد فقط على الموارد المادية أو الطبيعية كمحركات للنمو بل أصبحت المعرفة والمعلومات الموثوقة هي الركيزة الأساسية لاتخاذ القرار الاقتصادي الرشيد، سواء على مستوى الدولة أو القطاع الخاص أو المؤسسات الدولية، مضيفًا أن تحسين جودة البيانات وتكاملها بين مختلف الجهات يُمكّن صانع القرار من رؤية الصورة الكاملة، ووضع سياسات أكثر فاعلية في إدارة الموارد، وتحليل اتجاهات السوق، وتحديد أولويات الاستثمار والتمويل بدقة أعلى.

وأشار إلى أن البيانات الجيدة تُسهم في بناء الثقة بين المستثمرين والحكومات والمؤسسات التمويلية، لأنها تعكس شفافية الأسواق وقدرة الدولة على التنبؤ بالمخاطر والتعامل معها بشكل علمي، لافتًا إلى أن الدول التي استطاعت تطوير منظومات بيانات قوية مثل كوريا الجنوبية ودول الآسيان حققت قفزات تنموية كبرى لأنها تعاملت مع المعلومات باعتبارها ثروة وطنية يجب إدارتها وحمايتها وتوظيفها لصالح التنمية.

وفي هذا السياق، طالب محيي الدين الاتحاد العربي للصلب بضرورة الاطلاع على مخرجات القمة الأخيرة لمجموعة الآسيان، مؤكدًا أن التجارب التي خرجت بها تلك القمة تحمل دروسًا مهمة تتعلق بمجالات الاستثمار والتمويل، وبخاصة في كيفية بناء منظومات تمويلية قائمة على الشفافية وتبادل البيانات بين الدول الأعضاء، وأضاف أن التكامل في المعلومات والبيانات هو ما يمنح التكتلات الاقتصادية قوة حقيقية في التفاوض، وقدرة أكبر على جذب الاستثمارات وتنمية الصناعات، وعلى رأسها صناعة الصلب التي تُعد مؤشرًا حساسًا لحالة الاقتصاد العالمي ومعدلات نموه المستقبلية.

وأوضح الدكتور محمود محيي الدين، أن القيود الحمائية لم تعد مجرد قرارات استثنائية تتخذها بعض الدول لأسباب سياسية أو اقتصادية عابرة، بل أصبحت اتجاهًا عالميًا متصاعدًا يتجاوز حدود الأفراد أو الحكومات، مؤكدًا أن هذا التوجه يعبّر عن مرحلة جديدة من التحولات في النظام التجاري الدولي، حيث تتداخل فيها الاعتبارات البيئية مع المصالح الاقتصادية، وتنعكس آثارها بوضوح على القطاعات الإنتاجية الكبرى وفي مقدمتها صناعة الصلب.

رجل الأعمال أحمد عزرجل الأعمال أحمد عزرجل الأعمال أحمد عز

وأضاف أن القيود الحمائية المرتبطة بالكربون تمثل أحد أبرز التحديات التي ستواجه صناعة الصلب في المرحلة المقبلة، مشيرًا إلى أن التحول نحو الاقتصاد الأخضر بات واقعًا لا يمكن تجاهله، وأن الدول المتقدمة تسعى من خلال هذه السياسات إلى حماية أسواقها الداخلية، وفي الوقت ذاته فرض معايير جديدة على التجارة الدولية تحت مظلة الحفاظ على البيئة وخفض الانبعاثات الكربونية.

وأكد محيي الدين أن التعامل مع هذه المستجدات يتطلب من الدول النامية، وفي مقدمتها الدول العربية، أن ترفع من قدراتها المؤسسية والفنية على مواجهة تلك التحديات، موضحًا أن المطلوب اليوم هو بناء أجهزة حكومية أكثر استعدادًا للتفاعل مع التغيرات المتسارعة في السياسات التجارية العالمية، سواء من حيث امتلاك الكفاءات المتخصصة أو تطوير أدوات الرصد والتحليل أو تعزيز التنسيق بين الجهات المعنية بالصناعة والتجارة والبيئة.

وشدد على أن التحديث المؤسسي لا يجب أن يقتصر على تطوير الهياكل الإدارية، بل يجب أن يمتد إلى تدريب الكوادر الوطنية وتأهيلها لفهم الأبعاد التقنية والفنية المرتبطة بالتدابير الحمائية الجديدة، لافتًا إلى أن الاقتصادات التي تواكب هذه التحولات هي وحدها القادرة على تحويل التحديات إلى فرص، وضمان استمرار تنافسية صناعاتها في الأسواق العالمية.

وطالب محيي الدين بتبني نهج شامل يقوم على الشراكة الحقيقية بين جميع الأطراف الفاعلة، موضحًا أن المرحلة المقبلة لن تحتمل العمل المنفرد أو القرارات المنعزلة، بل تحتاج إلى تنسيق وتكامل بين القطاعين الحكومي والخاص على نحو يضمن تحقيق الأهداف المشتركة في النمو والاستدامة والاستقرار.

وأوضح أن التعاون الوثيق بين الحكومة والمستثمرين والقطاع الصناعي يمثل ركيزة أساسية لبناء بيئة اقتصادية قوية ومحصنة ضد التقلبات العالمية، مشددًا على أن نجاح هذا التعاون يعتمد على وضوح الأدوار، واحترام قواعد السوق، وتبادل المعلومات بشفافية، إلى جانب توفير مناخ من الثقة المتبادلة التي تتيح اتخاذ قرارات استراتيجية طويلة المدى.

وأكد محيي الدين أن تحقيق الاستقرار النقدي يمثل شرطًا جوهريًا لأي تنمية اقتصادية حقيقية، لافتًا إلى أن تنظيم سوق النقد الأجنبي وضبط تقلبات أسعار الصرف يسهمان في خلق بيئة آمنة للاستثمار والإنتاج، ويمنحان الصناعات الثقيلة مثل الصلب القدرة على التخطيط طويل الأمد دون التعرض لمخاطر تمويلية أو تقلبات حادة في التكلفة.

وأضاف أن من الضروري أن تتبنى الحكومات نهجًا تشاركيًا عند وضع السياسات النقدية، لا سيما في ما يتعلق بتحديد أسعار الفائدة، مشيرًا إلى أن التشاور المسبق مع رجال الصناعة والمستثمرين في هذا الشأن يعزز من فعالية القرارات الاقتصادية ويحد من آثارها السلبية على القطاعات الإنتاجية.

واختتم بالتأكيد على أن الحوار المنتظم بين صانع القرار والقطاع الخاص ليس رفاهية، بل هو أداة ضرورية لتحقيق التوازن بين متطلبات الاستقرار المالي وتحفيز النمو الاقتصادي، مضيفًا أن الدول التي تدير هذا التوازن بذكاء هي الأقدر على الصمود في وجه الأزمات والتحولات الدولية الجارية. 

إخلاء مسؤولية إن الموقع يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق