
إعادة إعمار غزة
أكد الدكتور سعيد حسنين، استشاري التخطيط العمراني، أن عملية إعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب المدمرة، يجب أن تتجاوز فكرة إعادة البناء بالشكل التقليدي، لتصبح عملية متكاملة لإعادة الحياة، وتوفير مقومات التعافي النفسي والاجتماعي والعمراني لسكان القطاع، الذين يعانون من ظروف مأساوية مستمرة منذ عقود.
وفي حواره مع برنامج "ويك إند القاهرة"، شدّد حسنين على أن إعادة تصور التخطيط الحضري لغزة يجب أن يتم من خلال رؤية إنسانية في المقام الأول، تنطلق من احتياجات السكان البالغ عددهم نحو 2.4 مليون نسمة، وتضع في الاعتبار التغيرات التي فرضتها الحرب، ليس فقط على العمران، بل على النسيج الاجتماعي والبنية النفسية والاقتصادية للمجتمع الفلسطيني.
التخطيط لغزة لا يبدأ بالإسمنت.. بل بالإنسان
قال الدكتور حسنين: "عند الحديث عن غزة، نحن لا نتحدث عن تطور عمراني ناتج عن نمو سكاني طبيعي، بل عن دمار ممنهج استمر لسنوات طويلة بفعل عدوان خارجي. وبالتالي، لا يمكن التعامل مع الإعمار وكأننا نُعيد ما كان، بل لا بد من التفكير في الإنسان أولًا، وتوفير سبل العيش الكريمة في أسرع وقت، بأقل التكاليف، مع مراعاة البعد الاجتماعي."
وشدد على أن الهدف الأول من الإعمار ليس إعادة المباني كما كانت، بل تأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة لمئات الآلاف من الأسر التي فقدت مساكنها ومواردها الأساسية.
مدينة جديدة أم ذاكرة مكان؟
وفي رده على سؤال حول ما إذا كانت إعادة الإعمار تعني بناء مدينة جديدة كليًا، قال حسنين: "من الخطأ محو الذاكرة الجماعية. يجب أن تحتفظ المدينة بجزء من تاريخها وملامحها الأصلية. بعض المباني، حتى وإن تهدمت، يجب الإبقاء عليها كرموز تاريخية، تمثل ذاكرة المكان وتساعد السكان على الشفاء النفسي."
وأضاف أن هناك أبعادًا رمزية للمكان لا يمكن تجاهلها عند إعادة البناء، وأن إنشاء مدينة جديدة بالكامل دون مراعاة هذه الذاكرة يمكن أن يؤدي إلى تدمير الهوية المجتمعية.
دروس مستفادة من تجارب عالمية
أشار حسنين إلى أن تجارب إعادة الإعمار بعد الحروب ليست جديدة، ويمكن الاستفادة من أمثلة كثيرة في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، مثل روتردام في هولندا وعدد من المدن الفرنسية، وكذلك بيروت وبعلبك في لبنان، وحلب وحمص ودمشق في سوريا.
وقال: "الظروف في غزة تختلف، إذ أن التدمير كان بفعل قوة خارجية، وليس نتيجة صراع داخلي كما حدث في بعض الدول العربية. لكن من ناحية التخطيط العمراني، يمكن التعلّم من تجارب الدمج بين إعادة الإعمار والحفاظ على الموروث والذاكرة".
" title="YouTube video player" frameborder="0">
ضرورة مشاركة المجتمع المحلي
وحذّر الدكتور حسنين من خطورة أن يتم تنفيذ مخططات إعادة الإعمار دون إشراك المجتمع المحلي، موضحًا أن "العمران لا يتحمّل أن يكون مجرد قرار فوقي".
وأضاف: "كل تجربة دولية حاولت أن تفرض نموذجًا عمرانيًا دون استشارة السكان فشلت، وتم رفضها من المجتمع نفسه. في غزة، هناك خبرات كبيرة، خاصة بين الشباب في مجالات البناء والهندسة، ويجب إشراكهم في كل المراحل: من إعداد الخطط، إلى التنفيذ، وحتى تحديد الأولويات."
الأطراف الدولية والإقليمية.. ودور المانحين
وأشار حسنين إلى أن إعادة الإعمار في غزة ستكون محكومة بتدخلات خارجية كثيرة، من جهات مانحة دولية وإقليمية، وقد تحمل أبعادًا سياسية تؤثر في شكل العملية. لكنه شدد على أن "العمران لا يمكن أن يكون مسرحًا للتجاذبات السياسية على حساب المجتمع"، مضيفًا: "إذا لم يُشرك الفلسطينيون في تقرير مستقبل مدينتهم، فإن كل محاولة للبناء ستفشل اجتماعيًا، حتى وإن نجحت عمرانيًا."
الرمز كأداة للشفاء المجتمعي
في ختام حديثه، شدد الدكتور سعيد حسنين على أهمية وجود رموز معمارية وعمرانية تساهم في بناء ذاكرة جديدة للمدينة، وتساعد السكان على تجاوز الصدمة.
وقال: "أحيانًا لا يكون المبنى مجرّد بناء، بل يصبح رمزًا يتجمّع حوله الناس، يذكّرهم بما فقدوه، ويمنحهم أملًا في المستقبل. هذه الرموز ضرورية لتوحيد المجتمع وتوجيه طاقته نحو التعافي، بدلًا من البقاء في حالة من التشتت والصدمة."
إخلاء مسؤولية إن الموقع يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
0 تعليق