في عالمٍ يتأرجح بين السياسة والاقتصاد، لم يسلم “الذهب الأسود” من رياح التوترات التجارية التي تعصف بالأسواق العالمية، فخلال أسبوع واحد فقط، تحوّل صعود النفط إلى هبوط حاد، بعدما التهمت المخاوف الجيوسياسية والاقتصادية مكاسبه، لتسدل الستار على أسبوع مضطرب رسمته قرارات البيت الأبيض وقلق المستثمرين من مستقبل الطلب العالمي.
موجة من القلق تجتاح المستثمرين بشأن تراجع الطلب العالمي
شهدت أسواق النفط العالمية تراجعًا ملحوظًا خلال تعاملات الأسبوع الماضي، حيث انزلقت الأسعار إلى أدنى مستوياتها منذ مايو الماضي، وسط موجة من القلق تجتاح المستثمرين بشأن تراجع الطلب العالمي وتصاعد حدة التوترات التجارية بين واشنطن وبكين.
أسعار النفط العالمي
فقد أنهى خام برنت تداولات الجمعة عند مستوى 62.73 دولارًا للبرميل متراجعًا بنسبة 3.82%، بينما أغلق خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي عند 58.90 دولارًا بخسارة بلغت نحو 4.24%. وعلى مدار الأسبوع، سجل الخامان انخفاضات جماعية، إذ فقد برنت 2.8% من قيمته، بينما خسر خام غرب تكساس حوالي 3.25%، وفقًا لبيانات التسوية النهائية.
وجاء هذا التراجع بعد تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أعلن فيها عبر منصة "تروث سوشيال" أنه لا يرى داعيًا للاجتماع مع نظيره الصيني شي جين بينج خلال الأسبوعين المقبلين في كوريا الجنوبية، مهددًا بفرض زيادات ضخمة في الرسوم الجمركية على الواردات الصينية.
تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وتأثيره السلبي على الطلب على الخام
ولم تمض ساعات حتى أكد ترامب مجددًا أن بلاده ستفرض تعريفات جمركية إضافية بنسبة 100% على جميع الواردات الصينية اعتبارًا من 1 نوفمبر 2025، في خطوة وصفها بأنها رد على "النهج العدواني" لبكين في ملف التجارة، وهو ما فاقم المخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وتأثيره السلبي على الطلب على الخام.
وفي ظل هذا المناخ المتوتر، تعرضت الأسواق لضغوط إضافية من جانب المعروض النفطي، بعد أن قررت أوبك+ مواصلة تخفيف قيود الإنتاج تدريجيًا، معلنة زيادة جديدة قدرها 137 ألف برميل يوميًا لشهر نوفمبر المقبل. ورغم أن الزيادة جاءت أقل من التوقعات، فإنها عززت قناعة المستثمرين بأن المعروض العالمي يتجه للارتفاع مع اقتراب نهاية العام، خصوصًا مع استمرار ارتفاع الإنتاج الأمريكي.
وعلى الجانب الجيوسياسي، ساهمت التطورات الإيجابية في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة في تراجع علاوة المخاطر التي كانت تدعم الأسعار خلال الأشهر الأخيرة، ما أفقد السوق أحد أبرز دوافعها الصعودية.
أما في جانب الطلب، فقد أظهرت البيانات الأمريكية تحسنًا نسبيًا في معدلات الاستهلاك، إلا أن المخاوف من إغلاق حكومي طويل الأمد في واشنطن، إلى جانب تباطؤ النمو العالمي، ما زالت تشكل تهديدًا حقيقيًا لتوازن السوق.
وتترقب الأوساط الاقتصادية القرارات المقبلة لتحالف أوبك+ وبيانات المخزونات الأمريكية، إضافة إلى أي تطورات في الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، والتي أصبحت تمثل البوصلة الحقيقية لحركة الأسعار في المدى القريب.
ويرى محللون أن النفط يعيش حاليًا مرحلة حساسة تتأرجح بين الضغوط الاقتصادية والعوامل السياسية، مشيرين إلى أن مستوى 60 دولارًا للبرميل بات يمثل خطًا فاصلًا بين الاستقرار والانزلاق نحو مزيد من التراجع، ما لم تتدخل عوامل جديدة تعيد التوازن للسوق أو تشدد أوبك+ قيودها الإنتاجية مجددًا.
0 تعليق