اهْبِطُوا مِصْرَ فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ … مصر ودورها العظيم في إنهاء حرب غزة - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لم تكن حرب غزة الأخيرة مجرد جولة من جولات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل كانت مأساة إنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، مأساة هزّت الضمائر، وأسالت دموع الملايين حول العالم، ووضعت المنطقة كلها على حافة الانفجار. وسط هذا المشهد المأساوي، خرج الدور المصري كالعهد به، ثابتًا، راسخًا، جامعًا بين العقل والرحمة، وبين الصلابة والحكمة. فمصر التي دفعت عبر تاريخها أثمانًا باهظة لتبقى قلب العروبة النابض، لم تتأخر يومًا عن أداء رسالتها تجاه أشقائها، لتعود مرة أخرى كلمة القاهرة هي كلمة السر في إنهاء الحرب وإطفاء نيرانها.

منذ اللحظة الأولى، تحركت الدولة المصرية بكل مؤسساتها، وفتحت معابرها، واستقبلت الجرحى والمصابين، وأرسلت القوافل الطبية والإغاثية بلا انقطاع، لتثبت أن الإنسانية في مصر ليست شعارًا بل ممارسة يومية على أرض الواقع. وفي ذات الوقت، اندفع التحرك الدبلوماسي المصري بكل ثقله، شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا، ليحمل رسالة واحدة واضحة لا لبس فيها: لا بديل عن وقف إطلاق النار، ولا مجال لترك الشعب الفلسطيني يواجه قدره وحده.

وكانت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي واضحة وحاسمة؛ إذ أكد مرارًا أن أمن غزة من أمن مصر، وأن مصر لن تسمح بتهجير الفلسطينيين ولن تقبل بأي ترتيبات على حساب حقوقهم المشروعة. لقد رفع السيسي راية الإنسانية قبل أن يرفع راية السياسة، وأصرّ أن يظل صوت مصر هو صوت الضمير، وصوت العدالة، وصوت السلام. لقد قدّم نموذج القائد الذي يجمع بين صلابة الموقف ورقة القلب، بين وعي الدولة العظمى ومسؤولية الأخ الأكبر.

وفي قلب هذه الملحمة الوطنية، برز جهاز المخابرات العامة المصرية كالعقل المدبر والمحرك الخفي الذي نسج خيوط التفاهمات، وأدار أدق تفاصيل التفاوض بين الأطراف كافة. هذا الجهاز، بقياداته التي لا يعرفها الرأي العام بالاسم، حمل على عاتقه أعقد المهام، فكان يضع الحلول العملية، ويؤسس قنوات التواصل، ويضمن التنفيذ الفعلي لأي اتفاق يتم التوصل إليه. لقد عملوا في صمت، بعيدًا عن الكاميرات، لكن أثرهم كان حاضرًا في كل لحظة، وشاهدًا على أن المخابرات المصرية ليست مجرد جهاز للأمن القومي، بل هي ذراع سياسية، وأداة استراتيجية، وركيزة لا غنى عنها لصناعة السلام.

لقد جاءت التحركات المصرية متكاملة، فبينما كانت قوافل المساعدات تشق طريقها نحو غزة، كانت وفود المخابرات تجوب العواصم وتجلس على طاولات التفاوض، وبينما كان الإعلام يلهث وراء الأخبار العاجلة، كان رجال الظل في القاهرة يرسمون المسار الحقيقي للخروج من الحرب. لم يكن هدف مصر أن تسجل انتصارًا إعلاميًا أو سياسيًا، بل أن توقف نزيف الدماء وتحفظ الأرواح وتعيد للمنطقة قدرًا من الأمل المفقود.

واليوم، بعد أن وضعت الحرب أوزارها، يقف الفلسطينيون والعرب جميعًا أمام حقيقة واحدة: أن مصر كانت ولا تزال قبلة النجاة، وأنه لولا ثقلها ورجاحة عقلها وصلابة موقفها، ما كان لهذا الدم أن يتوقف. إن مصر لم تسعَ لمكاسب ضيقة، ولم ترفع شعارات للاستهلاك الإعلامي، بل اكتفت بأداء واجبها التاريخي والإنساني، ذلك الواجب الذي جعلها دومًا ملاذًا آمنًا للعرب ومركز ثقلهم السياسي.

ولعلها لحظة نستحضر فيها قول الله تعالى: “اهبطوا مصر فإن لكم ما سألتم”. فمصر التي كانت عبر القرون أرض الملجأ والكرامة، ما زالت على عهدها، تمد يدها لكل مظلوم، وتفتح قلبها قبل حدودها لكل محتاج، وتظل هي الحائط الذي يحمي هذه الأمة من الفوضى والانقسام، والنبض الذي يبقيها على قيد الحياة

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق