دفعت التحولات الإقليمية والدولية الأخيرة التي شهدها ملف النزاع في الصحراء، وترجيح كفته لصالح المغرب والمبادرات السياسية التي يطرحها لتسوية هذا الصراع، جبهة البوليساريو إلى التهديد بتصعيد الحرب ضد المملكة، إذ أشار بشرايا حمودي بيون، المسمى “وزيرا أولا في حكومة جمهورية تندوف”، إلى أن “الوسيلة الأساسية أمام الجبهة هي تصعيد الحرب وتحريك الصحراويين نحو النضال، إضافة إلى تعزيز السياسة الداخلية والعمل على الجبهة الدبلوماسية”، بتعبيره.
وأضاف المسؤول الانفصالي، في حوار مع أحد المواقع الإلكترونية التابعة للبوليساريو، أن “الأهم في الحرب ليس الأسلحة، فهذه الأخيرة لا قيمة لها بمفردها، بل إن الأهم هو من يقاتل”، على حد قوله، منتقدا في الوقت ذاته الدعم الأوروبي، خاصة الإسباني والفرنسي، للمملكة المغربية ومبادرة الحكم الذاتي.
وتأتي هذه التصريحات التي اعتبرها مهتمون تحدثوا لهسبريس في هذا الصدد مجرد خطاب لتهدئة الجبهة الداخلية وترجمة لحالة اليأس الدبلوماسي التي يعيشها داعمو الطرح الانفصالي في المنطقة، في وقت يتزايد الضغط الدولي على جبهة البوليساريو، إذ تتبنى العديد من الدول مواقف مؤيدة لمغربية الصحراء، بينما تواصل الرباط تعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع عدد من الدول الكبرى وحشد الدعم لموقفها، وهو الوضع الذي لم يستبعد بعض المراقبين أن يدفع الجزائر، راعية الانفصال إلى البحث عن مخرج لمحاولة قلب موازين القوى لصالحها، بما في ذلك التصعيد العسكري ضد المغرب.
تعليقا على ذلك قال جواد القسمي، باحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي، إن “تصريحات من يُسمى الوزير الأول في الكيان الانفصالي حول تصعيد الحرب ضد المغرب تعكس شعورًا واضحًا بالإحباط، بالنظر إلى التحولات السياسية والدبلوماسية الإقليمية والدولية التي أصبحت تصب في مصلحة المغرب”، وزاد: “هذه التصريحات ليست الأولى لمسؤولي البوليساريو، الذين يلوحون دائمًا بالتصعيد العسكري، الذي لم يعد له تأثير يُذكر على مجريات الأحداث، في ظل التفوق العسكري الواضح للمغرب وتأمينه الجيد للجدار الأمني الفاصل بأحدث التقنيات والمعدات العسكرية والحربية”.
وأوضح القسمي، في تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “إشارة المسؤول في البوليساريو إلى عدم فائدة الأسلحة بمفردها تعكس إدراكًا واضحًا لضعف الموقف العسكري للبوليساريو مقارنة بالجيش المغربي”، مشددًا في الوقت ذاته على أن “هذا التهديد الجديد من قبل جبهة البوليساريو يتناقض مع القوانين الدولية، ومع الجهود الدولية والإقليمية الرامية إلى إيجاد حل سلمي ودائم لقضية الصحراء، خاصة قرارات مجلس الأمن”.
وبيَّن المتحدث ذاته أن “اتهام أوروبا بالتماهي مع المغرب، وخاصة فرنسا وإسبانيا، يعكس استياء البوليساريو من تغير مواقف الدول الأوروبية من هذا النزاع، إذ شهدت السنوات الأخيرة تغيرًا في مواقف الكثير منها، بحيث أصبحت أكثر دعمًا للموقف المغربي، وترى فيه شريكًا إستراتيجيًا بفضل دوره الحيوي في ملفات وقضايا هامة، كالأمن والهجرة والطاقة”.
وخلص الباحث نفسه إلى أن “تصريحات المسؤول الانفصالي تعزز من قراءة نية الجزائر جر المغرب إلى حرب، كما صرح بذلك وزير الخارجية المغربي”، مردفا: “الجزائر هي التي توفر للبوليساريو الملاذ الآمن والسلاح، في تهديد مباشر للمغرب”، ومسجلًا أن “ما تتعرض له الجبهة ومن يمولها من اندحار وهزائم في العديد من الجبهات لصالح المغرب قد يجعل النظام الجزائري يقدم على حماقة جر المنطقة إلى حرب قد يراها مخرجًا من الوضع الذي حُشر فيه”.
مصطفى سلمة ولد سيدي مولود، قيادي عسكري سابق في جبهة البوليساريو، أورد في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية أنه “لا جديد في خطاب البوليساريو ومسؤوليها، باستثناء المبالغة في الطرح باستخدام مصطلح التصعيد، الذي تراد منه طمأنة الداخل وتنبيه الخارج بما لم تحققه بندقية الجبهة ميدانيًا، بزعم أن البوليساريو عادت للحرب منذ أربع سنوات”.
وتابع ولد سيدي مولود: “صحيح أن خيار الجبهة منذ 13 نونبر 2020 كان التنصل من اتفاقية وقف إطلاق النار، احتجاجًا على ضم المغرب منطقة الكركرات خلف الحزام، غير أن الظروف الإقليمية والدولية مازالت لا تسمح بأن تتجاوز حرب البوليساريو المعلنة حدها الحالي منخفض الشدة، في انتظار وقوف الجزائر على قدميها اقتصاديًا وسياسيًا بعد الحراك، أو حدوث تغييرات على الساحة الدولية ترفع من أرصدتها المتدنية دبلوماسيًا”.
وشدد المتحدث ذاته على أن “خيار الدخول في حرب لا يخدم الجزائر ولا المغرب على المدى القريب، بحكم انشغال كل منهما بمشاكله التنموية والاجتماعية”، معتبرًا أن “ما تقوم به الجبهة والجزائر هو الحفاظ على مشروعية الرصاص إلى حين نضوج ظروف الحرب أو السلم”؛ كما اعتبر أن “الجزائر والمغرب لا يريد أي منهما أن يكون السباق لإطلاق الرصاصة الأولى، رغم أن يد كل منهما على الزناد، وسباق التسلح على أشده”.
0 تعليق