قبل أسابيع من متمّ سنته الحادية والثمانين بدنيا الناس، رحل القبطان المغربي علي نجاب، الشاهد على فظاعات التعذيب بسجون انفصاليّي جبهة البوليساريو على أراض جزائرية، الذي لاقاه مدافعون عن الوحدة الترابية للمملكة.
علي نجاب الذي كان طيارا حربيا تخرّج الأول على دفعته بالولايات المتحدة الأمريكية، قضى ربع قرن سجينا بتندوف، ولم يحصل على معاشه بعد عودته إلى أرض الوطن، وترك قبل رحيله فيما يقرب 600 صفحة مذكراته الصادرة عن “دار ملتقى الطرق” التي قدّمها مدير أرشيف المغرب جامع بيضا.
ونعى المؤرخ جامع بيضا الراحل علي نجاب قائلا: “بحزن عظيم تلقيت نبأ وفاة الوطني الكبير الصديق علي نجاب (…) الذي كان نموذجا للالتزام في سبيل الوحدة الترابية للمملكة”.
وفي تقديمه للمذكرات الصادرة سنة 2019، كتب جامع بيضا: “بين واجب التحفظ وواجب الذاكرة، قرر نجاب اختياره بوضوح، فقد كشفت الصفحات التي كرسها لمسيرته العسكرية قبل الأَسْرِ عن نُبل مهنة السلاح التي غالباً ما تكون مصطلحاتها غير معروفة لدى المدنيين”، مردفا بأن “التاريخ العسكري المغربي لم يكتب بعد، وعندما اختارت السلطات المغربية إعادة العمل بالخدمة العسكرية لشبابنا، فإن كتاب علي نجاب الذي يضم حمولة كبيرة من الوطنية والمواطنة الصالحة يأتي لحسن الحظ لسد فجوة في مكتباتنا”.
وتؤرّخ المذكرات لـ”تجربة أسير حرب مؤلمة خلال أكثر من 9125 يوماً من المعاناة والتعذيب والإذلال من جانب البوليساريو، أمام لا مبالاة ضباط أجهزة الأمن العسكري الجزائري، واللامبالاة الكاملة للهيئات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان”.
وقال الراحل علي نجاب إن “25 عاما في سجون تندوف”، مؤلّف صدر لـ”يحكي حياته لابنته أوّلا التي تركها قبل الأسر وعمرها ثلاث سنوات، وعاد ليجدها وعمرها ثمان وعشرون سنة”، كما كتبه لكلّ من توفّوا في “حقول الشّرف”.
ووضّح الطيّار المغربي أنّ سنوات الأسر الطّوال التي قضاها في السّجن كانت وقتا للتّأمّل وتحليل الصّراع بين المغرب والجزائر، وهناك اقتنع بأنّ “حرب المغرب كانت ضدّ الجزائر لا ضدّ البوليساريو، منذ أن قاطع ضبّاط جزائريون استجوابه من طرف البوليساريو في بداية أسره وقالوا إنّ الوقت حان لأخذه”، وأضاف أنّه وعى أهمية الصّحراء بالنسبة للنظام الجزائري “لأن فيها اقتطاعا لجزء من جسد المغرب، وواجهة على المحيط الأطلسي، ولأن الرئيس الجزائري هواري بومدين كان يرى في ذلك وسيلة لقلب الشّعب المغربي ضدّ الملكية”.
وفي شهادة مؤلمة، حكى علي نجاب صنوف المعاملات اللاإنسانية والحاطّة من الكرامة التي شهدها المغاربة في تندوف، وما عاشوه من حرمان من حقوقهم، ومأسسة لتعذيبهم، وقال: “هناك من توفّوا تحت التعذيب سبع سنوات بعد إيقاف إطلاق النّار”، ثم تساءل مستنكرا: “أين كانت الأمم المتحدة، و”فريدوم هاوس”، و”هيومن رايتس ووتش” عندما وقع هذا؟”.
وأكّد الطيّار المغربي أنّ ما أنقذ الأسرى هو الإيمان بالله وصلاتهم جماعة، وإيمانهم خاصّة بالوطن، مستحضرا في هذا السياق ما قاله الملك الحسن الثاني حول الأقاليم الجنوبية للمملكة: “إذا لم يسترجع المغرب الصحراء فلست مطمَئنّا على مستقبله كدولة وكأمّة”.
0 تعليق