أكد تقرير حديث صادر ضمن مجلة “ذا جيوبوليتيكس”، المهتمة بقضايا العلاقات الدولية والسياسة العالمية، أن “تونس التي شهدت ثورة الياسمين سنة 2011، وكان من المفترض أن تكون الشرارة المحفِّزة للتحول والانفتاح في المغرب العربي، تقف اليوم عند مفترق طرق خطير، فهي مفلسة اقتصاديًا وتائهة دبلوماسيًا”.
وأضاف التقرير أن “التحول السلطوي للرئيس قيس سعيّد انحرف بهذه الدولة، التي عُرفت طويلاً بدبلوماسيتها المتزنة وميولها الغربية، نحو الجزائر، متخلية عن حيادها التقليدي في قضية الصحراء عبر دعمها خط البوليساريو الداعي إلى الاستفتاء، ومنحها إبراهيم غالي معاملة رؤساء الدول”، مشددًا على أن “هذا التحول أضعف استقلالية تونس الإستراتيجية، وقلّص خياراتها الاقتصادية، وهزّ أسس السلام عبر الازدهار في المنطقة”.
وفي سياق ذي صلة ذكر المصدر ذاته أن “الإدارة الأمريكية الحالية تركز اهتمامها على إنهاء التوتر بين الجزائر والمغرب، إذ تولي واشنطن اهتمامًا استثنائيًا لإنهاء الخلافات وبناء مستقبل مشترك قوامه السلام والازدهار؛ ومع ذلك فحتى مع انخراط أمريكي قوي من المرجح أن تكون المكاسب الأولية مؤقتة أكثر من كونها تحوّلية، إذ قد يُبدي جنرالات الجزائر بعض الانفتاح تجاه التعاون مع القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا أو الصفقات الطاقية الأمريكية، وقد يتظاهرون بالمرونة حيال الصحراء، لكن شرعيتهم تستند إلى قومية مناهضة للمغرب، ما يجعل أي انفراج هشًّا وسهل التراجع عنه”.
وتابعت الوثيقة بأنه “لتحويل الهدوء المؤقت إلى سلام دائم ينبغي لواشنطن أن تُدخل تونس إلى المعادلة باعتبارها الركيزة الثالثة للاستقرار؛ فمحور تونس – الرباط، القائم على الإصلاح والانفتاح، يمكن أن يشكّل العمود الفقري لشراكة مغاربية جديدة، إذ بإمكانه أن يرسّخ قوسًا جديدًا من التعاون الإقليمي يربط بين التنسيق الأمني وتدفّقات الاستثمار والابتكار عبر المنطقة”.
وأشار التقرير إلى التصريح الأخير للمبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، حول توجه الإدارة الأمريكية إلى عقد اتفاق سلام بين المغرب والجزائر، مؤكدًا في الوقت ذاته أن “هذا المسار لن يستمر ولن يحقق الازدهار إلا إذا جُرِّد المفسدون من أدواتهم، وهذا يعني بناء الركيزة الثالثة، أي تونس حرة وقادرة اقتصاديًا؛ فبدون هذه الركيزة ستواصل الجزائر استخدام تونس الخاضعة لقيس سعيّد والمعتمدة على المساعدات كأداة ضغط ضد الرباط، ما سيُضعف أي تقارب ترعاه الولايات المتحدة قبل أن يتحول إلى سلام فعلي”.
وأوضح المستند أن “النظام الجزائري المهتز يتمسك بتونس كطوق نجاة، مفضلًا جارًا مطيعًا على جارٍ منافس؛ ويعاملها فعليًا كولاية تابعة، ويدعم بقاء قيس سعيّد في السلطة لضمان بقائها ضمن مداره”، مضيفًا أن “الجزائر، الغارقة في نظام ريعي متقادم تغذّيه القومية المعادية للمغرب، تملك كل الحوافز لإبقاء تونس ضعيفة وتابعة حتى لا تتفوق عليها أو تحدّ من نفوذها، إذ سعت القيادة العسكرية الجزائرية منذ 2011 إلى إجهاض المسار الديمقراطي التونسي وإعاقة الإصلاح الاقتصادي والانفتاح الخارجي”.
وزاد المصدر ذاته: “الجزائر تواجه معضلة نظامية؛ فالإصلاح الحقيقي يعني تفكيك شبكات الريع الغامضة التي تحمي النخبة الحاكمة، بينما رفض الإصلاح يعجّل بالانهيار، والنتيجة هي انجراف واضح نحو التراجع: خوف من المساءلة، خوف من المواطنين، وتوازن هش قد ينهار بفعل ضغط داخلي أو بسبب ارتدادات الأزمة التونسية”، معتبرًا أن “الغضب المتصاعد في تونس يعكس الإحباط المتنامي في الجزائر؛ وعندما يتصاعد الضغط في البلدين معًا تأتي الانهيارات على شكل موجات”.
كما أكدت الوثيقة على أهمية “تحصين تونس بدعم أمريكي من ضغوط الجزائر وإكراهاتها، لإنهاء حالة التبعية السامة والتهديد المستمر الذي يهدد مكاسبها الاقتصادية والجيوسياسية المستقبلية”، مردفة: “يتمثل دور واشنطن بوضوح في مساعدة تونس على تأمين حدودها مع الجزائر وليبيا من خلال تقنيات الحدود الذكية والرادارات والطائرات المسيّرة، ونقاط عبور حديثة، وأنظمة قيادة وتحكم، ووحدات مشتركة لمكافحة التهريب، وتدريب استخباراتي يحترم سيادتها. وهذا الدعم يحمي أيضًا الشركات الأمريكية وسلاسل الإمداد ومواقع المشاريع الممولة من مؤسسات التمويل الأمريكية، ويخلق بيئة عمل مستقرة وجاذبة للاستثمار”.









0 تعليق