إلى حكومة "Z" الرّقمية - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
إلى حكومة
إدريس الواغيشالإثنين 6 أكتوبر 2025 - 18:15

ماذا أقول لكم، وأنا أكادُ أكون كلاسيكيًّا وتقليديًّا؟ وبماذا أنصحُكم، وأنتم جيل الرّقمية والإلكترونيات؟ أنا لستُ أحسنَ حالًا ولا أفضلَ منكم. أنا ابنُ هذا الشَّعبِ مثلكم، واحدٌ وحيدٌ منكم، وأعاني مثلما تعانون، ولستُ وصيًّا على أحدٍ منكم. أولادي ينتمون إلى جيل “Z” مثلكم، وربما فيهم بينكم سفيرٌ أو وزيرٌ في حكومتكم الرَّقمية. لا أحدَ منّا يستطيع أن ينكر الكثيرَ من مطالبكم وارتفاعَ البطالة بينكم، وأنا كمغربي لا يسعني هنا إلا أن أكون إلى جانب مظاهراتكم ومطالبكم الشَّبابية بالحق في العمل، مُؤيّدًا لأصواتكم الصَّادحة بالإصلاح والمُطالبة بالشَّغل. هناك تخريبٌ مُمنهج للقِيَم الوطنية وأزمةٌ فادحة، ليس في قطاعي الصحة والتعليم وحدهما، ولكن في كل ما راكمته حكومة أخنوش الحالية وحكومة بنكيران السَّابقة من عاهات في اقتصاد البلاد ومَصالح العباد. تراكمت تصريحاتٌ وسلوكياتٌ مُستفزَّة ولا مَسؤولة، أدلى بها وزراء سابقون وحاليون بكثير من الاستعلاء والعجرفة، وأطلق البعض العنان للسانه دون مُراعاة لشعورنا وشعوركم، وحصل أن استوطن غلٌّ وحقدٌ صامت في الصدور.

أنا ابن هذا الوطن مثلكم، أمشي فوق أديم أرضه، وأتنفس كل ثانية من هوائه. أعيش فوق ترابه، وتحت زرقة سمائه، وآكل من خيرات أرضه. أعرف الأوضاع المُزرية التي يعيشها قطاع التعليم، وعملت فيه لأكثر من أربعة عقود، وقطاع الصحة هو الآخر لا يقل عنه بُؤسًا ومأساوية. سبق لي أن زُرْت شارع محمد الخامس وباب الرّواح في الرباط كثيرًا، مارستُ احتجاجًا عنيفًا أحيانًا وأنا ما زلت شابًّا يافعًا، ثم بعد ذلك احتجاجًا سلميًّا هادئًا، وأنا كهل ناضج التجربة. لم أكن أذهب سائحًا ولا معتمِرًا، بل محتجًّا ومندِّدًا بالظلم وغياب العدالة في مختلف المجالات، ساخطًا غاضبًا أو مُضربًا إلى درجة أنني تعبت من “الاحتجاج” في هذا الوطن، ولن أتوانى مستقبلاً عن الاصطفاف إلى جانب كل من يرفع حنجرته مطالبًا بالحق، سواء كان من “جيل Z” أو من “جيل لاماليف”، كلنا في ذلك سواء، نطالب جميعنا بالحق في الشغل وإصلاح منظومتي الصحة والتعليم، ونطالب بالكرامة وقضاء نزيه وعيش كريم، ونعمل على محاربة الرّشوة والمَحسوبية داخل الإدارات المغربية ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، سواء بأقلامنا أو أفكارنا وقناعاتنا وسلوكنا، ولكن وفق ما يقتضيه ويسمح به القانون.

كنت أعتقد جازمًا أن جيل “Z” أذكى منا نحن الآباء، وكنت أقول دائمًا، ربما سيأتي هذا الجيل بشيء جديد ومُبهر في وقفاته ومَسيراته الاحتجاجية، لم يسبق لنا نحن الآباء أن مارسناه. كأن يبتكر طرقًا جديدة في الاحتجاج بأشكال راقية وسلمية، ولكن وجدنا أنفسنا أمام إضرام نيران في المحلات التجارية، وهي في ملكية مواطنين بسطاء، أما المؤسسات الكبرى والأبناك فلن تخسر من كل تلك شيئًا، لأنها ستعوّض ذلك بشكل مضاعف على أكتافنا ومن أموالنا المودعة لديها. ماذا يعني نهب جيوب أبرياء؟ وهم عائدون من العمل إلى منازلهم في الطريق سوى الفوضى؟ أثبت لنا واقع الأمر أننا كنا أعقل منكم، وأذكى وأنضج من تفكيركم الرّقمي. دافعنا بإصرار عن حقوقنا ومواقفنا، ولكن دون أن نمسّ بحقوق الآخرين، ولم نضر بأملاك غيرنا، وضربنا في ذلك أمثلة، وكنا قدوة للأجيال اللاحقة. لم ننزلق يومًا إلى العنف أو الحرق والنهب، ولا اعتدينا على رجل سلطة في الشارع. مارسنا وطنتيّنا ومُواطنتنا الصادقة في الدفاع عن حقوقنا، ولم نمارس السلب أو خرّبنا مُمتلكات الدولة التي هي ممتلكاتنا، ولا ما يملكه المواطنون في الشَّارع على السواء.

ولذلك، أدعوكم باسم هذا الوطن الذي أنجبنا، وبشكل عقلاني لا عاطفي، حافظوا على سلمية مسيراتكم وشرعية مطالبكم، اعملوا على تحييد الدخلاء وتجنيب المخربين عن مسيراتكم، اطردوا المندسين والسفهاء من صفوفكم، هؤلاء يسيئون إلى وطنكم وإلى مشروعية مطالبكم. خذوا العبرة من مسيرات بعض المدن، وكانت الدار البيضاء كما فاس بطلبة كليات جامعتها العتيدة، وسكان أحيائها الهامشية والفقيرة نموذجًا في الاحتجاج، خرج شيبها وشبابها في الشوارع والأزقة ليلًا ونهارًا في مسيرات ليلية حاشدة، اختلط فيها العاطل مع العامل، والشبه أمّي مع الجامعي، وقدموا الدليل على أنهم وطنيون صادقون، يمثلون فعلاً جيل “Z” في المستقبل.

ابتعدوا عن العنف ما استطعتم، لأن التجارب علمتنا أن العنف لن يأتي إلا بعكس مطالبكم، تشبثوا بالسّلمية ما استطعتم. توالي الأيام في الحياة علمنا أن العنف لا يلد إلا عنفًا مُضادًا. اجعلوا من القانون المَعمول به في الدولة المغربية نبراسًا لكم، لا عدوًّا أمامكم. وتيقنوا حينها أننا سنكون معكم وإلى جانبكم قلبًا وقالبًا، تنضمّ حناجرنا وأقدامنا إلى صفوفكم، لأنكم أبناؤنا وبناتنا، تلاميذنا وتلميذاتنا أولاً وقبل كل شيء، ومستقبل بلادنا ثانيًا، وهو أهم شيء. لا تعطوا الفرصة لأعداء الوطن وبعض السّفهاء منا، فلنتحد جميعًا من أجل الإصلاح والبناء، لا تخريب أو نهب وسلب، ولنعمل كلنا ما استطعنا من أجل رقيّ هذا الوطن.

النشرة الإخبارية

اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدة هسبريس، لتصلك آخر الأخبار يوميا

اشترك

يرجى التحقق من البريد الإلكتروني

لإتمام عملية الاشتراك .. اتبع الخطوات المذكورة في البريد الإلكتروني لتأكيد الاشتراك.

لا يمكن إضافة هذا البريد الإلكتروني إلى هذه القائمة. الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني مختلف.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق