المغرب بين احتجاج الشباب وفرصة الإصلاح - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

شهدت المملكة المغربية مؤخرًا موجة احتجاجات شبابية قادها جيل جديد أطلق على نفسه اسم “جيل زد 212″، وهو جيل رقمي بامتياز يعيش في عصر السرعة والتواصل الفوري، ويعبّر عن وعي متقدّم وإحباط متراكم في آن واحد.

لم تكن الاحتجاجات مجرد انفجار غضب عابر، بل تعبيرًا عن أزمة ثقة بين الشباب وبعض مؤسسات الدولة الخدمية خصوصا في حقول الصحة والتعليم والتشغيل، كما انها عبرت رغبة سلمية لانطلاق حوار بناء وجاد للرغبة في التغيير والإصلاح قبل أن تتفاقم الأوضاع.

جاءت هذه التحركات نتيجة تراكمات اقتصادية واجتماعية واضحة: ضعف الخدمات العامة، خاصة في الصحة والتعليم؛ ارتفاع البطالة بين الشباب والخريجين؛ اختلال في توزيع الثروة؛ استفحال الفساد وضعف الشفافية؛ وفقدان الثقة في النخب السياسية التقليدية.

وقد وجد الشباب في وسائل التواصل الاجتماعي فضاءً جديدًا للتعبير والتنظيم، بعيدًا عن الأطر الحزبية والنقابية، مما منح حراكهم طابعًا سريع الانتشار وتأثيرًا واضحًا.

اتسم تعامل الدولة بمزيج من التفهم والحزم؛ إذ أعلنت الحكومة استعدادها للحوار ورفع موازنات القطاعات الحيوية، فيما واجهت الأجهزة الأمنية بعض التظاهرات بإجراءات مشددة حفاظًا على الأمن والممتلكات العامة والخاصة من العبث والتخريب وهذا واجب دستوري وقانوني للمؤسسات المكلفة بحفظ الأمن في كل بلدان العالم كما دعا رئيس الحكومة إلى حوار وطني شامل يضم ممثلين للشباب لمناقشة حلول واقعية، غير أن شريحة واسعة من المحتجين ترى أن الوعود ما تزال بحاجة إلى خطوات عملية ملموسة تعيد الثقة.

حقيقة ان تجارب اليمن وليبيا وسوريا والسودان تؤكد أن تجاهل المطالب الاجتماعية وتغليب المعالجة الأمنية يفتحان أبواب الفوضى والعنف، بينما الحوار والإصلاح الجاد يحميان الأوطان من الانهيار. والمغرب، بما يملكه من استقرار مؤسسي وتجربة إصلاحية ما يزال قادرًا على تفادي السيناريوهات الصعبة ، إذا ما تلاقت الإرادة السياسية مع وعي الشباب المغربي الحريص على مكتسبات بلده التنموية.

لذلك، المطلوب اليوم هو الاعتراف بالمشكلات البنيوية والاختلالات الهيكلة في بعض مسارات التنمية من خلال وضع خطة وطنية زمنية للإصلاح، وفتح قنوات حوار فعالة مع الشباب، مع مكافحة مؤسسية بضوابط قانونية صارمة للفساد وتوجيه الموارد نحو التنمية المستدامة وبناء قدرات الجيل الجديد التعليمية بما يستجيب لحاجات سوق العمل وإصلاح فعال لمؤسسات التعليم العمومية والصحية، وتتشيط برامج فرص العمل. وفي المقابل، على الشباب التمسك بالسلمية والانخراط في العمل المدني والسياسي البنّاء، لبناء وعي جماعي يوازن بين المطالبة بالحقوق وحماية الدولة وحفظ استقرارها.

إنّ المغرب يقف اليوم أمام منعطف حاسم: فإما أن تتحول هذه الأزمة إلى فرصة لإصلاح شامل يعيد الثقة بين الدولة والمواطن، أو تضيع اللحظة في التبرير والمماطلة، فتتسع الهوة بين الطرفين.

لقد جنّب المغرب نفسه في السابق رياح الربيع العربي بسياسة التوازن والإصلاح الهادئ وحكمة الملك محمد السادس، واليوم يحتاج إلى تجديد تلك الروح بالحكمة ذاتها.

فالإصلاح اليوم أهون من الانفجار غدًا، والشباب ليسوا تهديدًا بل فرصة وطنية للتجديد والبناء.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق