يثبت جيل الألفية في المغرب أنه ليس صامتًا أو غير مدرك للواقع أو أنه جيل كسول، إنه ببساطة يعاني من الإرهاق الشديد، يجر معه كمَّ التغييرات القاطعة والصدمات التي تعرضوا لها بشكل كبير. ضربت الصدمات جيل الألفية بقوة أكبر، إذ عاش تغيُّرات هائلة في العالم ككل، ناهيك عن بلدانهم ومجتمعاتهم الصغيرة (مثل عصر الحروب والأحداث الساخنة في الشرق الأوسط، هجمات 11 سبتمبر وسقوط جدار برلين وصعود الصين ومرارة حقيقة وضع أفريقيا ومصيبة جائحة كوفيد-19 والركود الاقتصادي العالمي الأول والثاني وصعود الوسطية … والقائمة طويلة لكن القصد مفهوم.
هل يُعتبر جيل زد أدمغة فارغة؟
يبدو أن جيل إكس (مواليد 1965-1980) والجيل السابق عليه (Boomers) قد بذلوا قصارى جهدهم من أجل الجميع. إنهم بدون شك يشعرون بالتعب وبالإرهاق من ثلاثة عقود نضال قاس ومتعدد ومكلف، لكنهم تمتعوا بتعليم أفضل رغم سيادة العنف والاستظهار، ومستوى ذكاء عملي أعلى بالنظر لظروف التربية وسياقاتها حيث الالهاء قليل والدافع أقوى. نلاحظ اليوم بوضوح أن كل ظروف التربية والتعليم والنشأة، (الإنترنت وتكنولوجيات التواصل واللعب والصراعات حول العالم… إلخ) هي أشياء وجدها جيل زد جاهزة فاستفاد منها وتمتع براحة لها ثمنها، ولهذا نلاحظ لدى هذا الجيل مستوى كبيرًا من الرعاية الذاتية وفهم خاص للقضايا الاجتماعية.
تعريف الأجيال واختلافاتها الأساسية.
ولد جيل الألفية بين 1981-1996 بينما ولد جيل زد بين 1997-2012. يتوقع جيل الألفية عادة خدمات عمومية أسرع بينما يقدر جيل زد أكثر الاستقرار والقضايا الاجتماعية واستدامتها. يُطلق على جيل زد “المواطنون الرقميون الأصليون” فقد نشأوا في حضن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يؤثر على آراءهم في التنوع والأصالة والتأثير الاجتماعي. يتمتع جيل الألفية أيضًا بمهارات رقمية، لكنه كان أول جيل جرب الإنترنت ولكنه لم يختبرها وهي متطورة. ورغم تشابه قيم جيل الألفية وجيل زد إلا أن مواقف جيل زد أكثر تقدمية بينما مواقف جيل الألفية تميل أكثر نحو الحنين إلى الماضي.
السياق المغربي: قضايا اجتماعية واقتصادية حديثة.
في ظل أحداث الاحتجاجات الاجتماعية والاقتصادية الأخيرة بالمغرب، بدأ الناس يتحدثون عن جيل زد، وبالتالي الوعي أكثر وفهم ما يعنيه الحديث عن الأجيال. لم يهتم أغلب وأبرز علماء الاجتماع المغاربة على هذه التسميات أو يهتموا بها ومع ذلك، يبدو جيل الألفية في المغرب “غائبًا” إلى حد ما عن الحقل السياسي والاجتماعي وتحريك ديناميته. لا يُعد جيل الألفية صامتًا بالتأكيد، فهذه التسمية الجيل السابق عليه (الجيل الصامت، 1928-1945).
الصراع الجيلي: من الأفضل؟
تعتبر قضايا المقارنة والتفضيل مثل: من “الأروع” أو “الأفضل” أو “الأكثر اطلاعًا” أو “الأكثر إثارة” أو “ذو أفضل موسيقى” قضايا قديمة. صراع الأجيال قديم قدم التاريخ، والملاحظ أن كل جيل يسود في زمنه إلا ويدعي أن الجيل السابق عليه عديم الوعي و”قديم” و”متخلف”. ومع ذلك، يمتد التصادم بين جيل زد وجيل الألفية أعمق قليلاً من ذلك إذ يدعي جيل الألفية بأن جيل زد فارغ الجوف وأناني وسطحي التفكير ومتخلٍّ عن القيم.
الموسيقى كمرآة للاختلافات.
نلاحظ عبر الموسيقى جيل الألفية وجيل زد يتمايزان من خلال عادات استماع مختلفة: يفضل جيل الألفية غالبًا الحنين إلى التسعينيات وما قبلها وبعدها بعشارية حيث الميل إلى الروك والإندي، واستمرارية الارتباط بقوة بالراديو. في المقابل يحتضن جيل زد تدفق الأنواع، مزيج من البوب والإي دي إم والهايبر بوب، كما يمنح أولوية لـ”الجو” الخاص بالأغنية على التصنيف الصارم للنوع. تُظهر دراسة أن جيل زد يقضي وقتًا أكثر في الاستماع إلى الموسيقى مقارنة بأي جيل آخر بزيادة 40 دقيقة يوميًا عن غيرهم. تعكس الموسيقى إذا تحولات الأجيال حيث تعبر عن الاختلافات النفسية والتجارب الوجودية والثقافية للجيلين.
موسيقى جيل الألفية: الحنين يسيطر.
يسيطر الحنين إلى التسعينيات وبداية الألفية الثالثة: يستمتع العديدون من جيل الألفية بالموسيقى من فترة التسعينيات وما قبلها وبعدها بسنين، وتُظهر بعض الدراسات أن هذا التوجه لازال مستمرا. أما بالنسبة لتفضيلات الأنواع، فيميل جيل الألفية نحو الروك والهيب هوب والإندي – indie /البديل، كما يحتفظ بعشق الراديو.
موسيقى جيل زد: التدفق والإبداع.
يمزج منظمو جيل زد بسلاسة بين أنواعًا مختلفة مثل الإندي روك وبيدر روم بوب ويوكيه دريل والهايبر بوب وأفروبيتس ولو-فاي هيب هوب – indie rock, bedroom pop, UK drill, hyperpop, Afrobeats, and glo-fi hip hop. “الجو” فوق النوع: يُهم شعور الأغنية أو “جوها” أكثر من نوعها المحدد. تأثير التراب: يؤثر موسيقى التراب، المميزة بلباسها وقبعاتها الطويلة، بقوة على صوت جيل زد، كعنصر أساسي يُبنى عليه تأثيرات أخرى.
النشاط في المغرب: جيل زد يقود التغيير.
أما جيل زد، فيقود احتجاجات حديثة مطالبًا بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، مع التركيز على التعليم والصحة العامة. يستخدم جيل زد الأدوات الرقمية للتعبير عن الغضب من الفساد واللامساواة، مما يجعلهم أكثر نشاطًا في الاحتجاجات مقارنة بالجيل الألفي الذي يبدو أقل ظهورًا. يُشير تقرير إلى صعوبة تحديد الاختلافات الدقيقة بين جيل زد والأجيال السابقة بسبب نقص الدراسات الشاملة.
ليس جيل الألفية صامتًا، إنه يشعر بالتعب والإرهاق فقط، إنها استراحة محاربيه الأذكى والأكثر انفتاحا على تكيف أفضل مع زمن مختلف.
0 تعليق