في نهاية أكتوبر 2025، أصدر المرصد الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، بشراكة مع وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، تقريره الوطني الرابع حول حالة البيئة في المغرب، وهو وثيقة تحليلية تسلّط الضوء على التحديات البيئية الكبرى التي تواجه المملكة. يرصد التقرير معطيات دقيقة تفيد بأن المغرب، رغم ما راكمه من مكتسبات تشريعية ومؤسساتية، ما يزال عرضة لضغوط متزايدة على موارده الطبيعية، بفعل التغيرات المناخية المتسارعة، والتوسع الحضري غير المنضبط، إلى جانب الاستغلال المكثف للتربة والمياه. وفي ضوء موقعه الجغرافي الحساس، يؤكد التقرير أن المغرب يوجد أمام مفترق طرق حاسم: إما تبني نموذج تنموي يراعي التوازن البيئي، أو الاستمرار في نسق يعمّق هشاشته البيئية.
وفي تقريره الجديد حول الحالة البيئية بالمغرب، وضع المرصد الوطني للبيئة والتنمية المستدامة أمام الرأي العام لوحة دقيقة تجسّد حجم التحديات التي تطوّق المنظومة الإيكولوجية الوطنية؛ فالتقرير يسلّط ضوءا علميا وتحليليا على التداعيات المتسارعة للتغير المناخي، والتوسع الحضري غير المتحكم فيه، والضغط المتزايد على الموارد الطبيعية.
ويكشف هذا العمل المرجعي، الذي جاء كثمرة لتعاون مؤسساتي وتفاعل خبراء ومهنيين، أن المغرب يتموضع عند نقطة التقاء ثلاث منظومات مناخية كبرى، ما يجعله عرضة لتحولات مناخية معقّدة، ويضاعف الحاجة إلى هندسة سياسات بيئية أكثر طموحا. في هذا السياق، يُطرح التقرير كأداة استراتيجية تهدف إلى إرساء رؤية تنموية تستوعب رهانات الاستدامة، وتضمن اتزانا حقيقيا بين مقتضيات النماء الاقتصادي وضرورات الإنقاذ البيئي، في زمن لم يعد يرحم التأجيل.
ووفقا للتقرير الذي توصلت هسبريس بصيغته الكاملة، يكشف المرصد الوطني للبيئة والتنمية المستدامة عن أرقام ومؤشرات دقيقة تعكس حجم التدهور البيئي في بعض الجهات، لا سيما على مستوى جودة الهواء وتدهور التربة وندرة الموارد المائية. التقرير يشير إلى أن بعض المناطق أصبحت تسجّل مؤشرات إنذارية مقلقة، بسبب ارتفاع مستويات التلوث وتقلص المساحات الغابوية وتزايد الضغوط البشرية، مما يهدد التوازنات الإيكولوجية القائمة وينذر بتداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة إن لم تتخذ التدابير اللازمة.
ويدق التقرير ناقوس الخطر بشأن الفجوة بين الطموحات البيئية التي ترفعها السياسات العمومية وواقع التنزيل على الأرض، مبرزا الحاجة إلى تجاوز المقاربات التقليدية، والانفتاح على آليات مبتكرة تشرك الجماعات الترابية والقطاع الخاص والمجتمع المدني في حماية الثروات الطبيعية.
وبحسب التقرير ذاته، لا تزال منظومة المراقبة البيئية الجهوية تواجه اختلالات بنيوية تضعف نجاعتها، خاصة على مستوى التغطية الترابية وتبادل المعطيات الأساسية؛ إذ تعاني شبكات الرصد الجهوي من فجوة واضحة في التنسيق، ما يعيق الرصد المنتظم لمؤشرات البيئة ويحدّ من قدرة الفاعلين على اتخاذ قرارات مبنية على معطيات دقيقة.
كما يشير التقرير إلى أن النظم الجهوية لتبادل المعطيات البيئية (SIREDD) ما زالت تعاني من قصور تقني ومؤسساتي، بسبب غياب توحيد رقمي حقيقي بين مختلف الأجهزة الإدارية، وتفاوت مستويات الرقمنة بين الجهات. وضعٌ يُبرز الحاجة إلى إصلاح شامل للمنظومة الرقمية البيئية، يراعي الخصوصيات الجهوية ويؤسس لقاعدة بيانات موحّدة وفعّالة.
ويبين التقرير الوطني حول حالة البيئة بالمغرب أن أحد أبرز التحديات التي تواجه المنظومة البيئية اليوم يتمثل في التدهور المتسارع لجودة الهواء، خاصة في كبريات المدن، إلى جانب ارتفاع وتيرة الإجهاد المائي وتدهور الأراضي الزراعية بفعل الاستغلال المفرط والتغيرات المناخية. ويؤكد التقرير أن هذه المؤشرات تهدد التوازن البيئي وتنعكس سلبا على صحة الساكنة وجودة الحياة، ما يستوجب اعتماد خطط استعجالية وتفعيل أنظمة إنذار مبكر، تواكب التحولات المناخية وتضمن تدبيرا مستداما للموارد الطبيعية.
استنادا إلى مخرجات التقرير الجديد للمرصد الوطني للبيئة والتنمية المستدامة، الذي تواكبه وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، تتجسّد أعتى التحديات في تغيّر نمط التلوّث الهوائي؛ إذ تكشف البيانات عن ارتفاع ملحوظ في تركيزات الجسيمات الدقيقة (PM2.5) داخل الحواضر، إلى جانب تفاقم المصدر الصناعي والانبعاثات المرورية التي تثقل كاهل المناطق الحضرية الكبرى. وينبّه التقرير إلى أن هذا الوضع لا يقتصر على التأثيرات الصحية المباشرة، بل يمتدّ ليشمل تدهور قدرة الفضاءات الحضرية على استيعاب جولات التنمية، مما يستدعي اعتماد حلول استعجالية وحوكمة بيئية محلية مستجيبة.
ويظهر التقرير أيضا أن الارتفاع المتواصل في الانبعاثات الغازية ينعكس سلبا على التوازن البيئي، من خلال تسارع وتيرة التدهور في جودة الهواء، وارتفاع معدلات التلوث في المناطق الحضرية والصناعية. كما يؤدي هذا الوضع إلى اختلال في النظم الإيكولوجية، ويفاقم هشاشة بعض المناطق الطبيعية، لا سيما تلك المعرضة للتصحر ونقص الموارد المائية، مما يهدد الأمن البيئي ويقلّص قدرة المنظومات الطبيعية على الصمود أمام التغيرات المناخية المتسارعة.


















0 تعليق