رسميا، تفاعل المغرب، على لسان ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، مع الأحداث المعتمِلة في سوريا التي أطاحت بنظام آل الأسد، مبرزا أن “المملكة المغربية تتابع باهتمام كبير التطورات المهمة والمتسارعة؛ فيما لم تُخف الرباط أملها أن تساهم هذه المستجدات في “تحقيق تطلعات الشعب السوري نحو الاستقرار والتنمية”.
ونوّه محللون في الشؤون الجيواستراتيجية، استقت جريدة هسبريس تعليقاتهم، بالموقف المغربي المتسم بحكمة وتبصر معهودَيْن في تفاعله مع مثل هذه الأزمات، مؤكدين أن موقف الرباط يَمتح من توجيهات الملك محمد السادس، بالتمسك دائما بموقف ثابت يقوم على “احترام الوحدة الترابية والسيادة الوطنية لسوريا، إضافة إلى الحفاظ على وحدة شعبها”؛ كما جاء على لسان بوريطة.
“موقف المملكة لم يتغير”، أوضح وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، والذي لفت إلى أن المغرب يأمل أن تثمر هذه التطورات استقرارا لسوريا، وتلبي طموحات شعبها في التنمية ومستقبل أفضل.
وعام 2012 إثر اندلاع الاحتجاجات بشعار رحيل الأسد، أغلق المغرب سفارته في دمشق عام 2012، وطلب في الوقت ذاته إغلاق السفارة السورية في الرباط، في خطوة تعكس مواقفه المبدئية تجاه الأزمة السورية؛ وفق تعبير بوريطة الذي جدد متحدثا للصحافيين التأكيد على أن “المغرب، رغم دعمه الثابت لسيادة سوريا وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، يسعى دائما إلى ما يخدم مصلحة سوريا وشعبها، ويعزز استقرارها ووحدتها”.
“عقلانية وتبصر معهودان”
محمد عاصم لعروسي، خبير في العلاقات الدولية المدير العام لمركز منظورات للدراسات الجيوسياسية بالرباط، قال إن “الموقف المغربي يكشف عن عقلانية كبيرة وعن تبصر في تدبير الأزمات، خاصة في علاقته مع الجمهورية السورية”، لافتا إلى أن “العلاقات مع سوريا لَمْ تكن دائما بالممتازة أو الجيدة؛ لكن المغرب كان دائما يحافظ على احترام السيادة الوطنية والسيادة الداخلية لسوريا، ولا يتدخل في تدبير شؤونها الداخلية”.
واستحضر لعروسي، مصرحا لجريدة هسبريس: “لكن بعد الربيع العربي وما حصل” أن “المغرب أخَذ مسافة واضحة من النظام السوري وتوقف بشكل نهائي، بعدما أغلق السفارة وسحَب السفير المغربي من السفارة المغربية في سوريا، مع طلَبِه من التمثيليات الدبلوماسية السورية مغادرة المغرب، تماشيا مع الموقف المغربي الذي كان يرى أن تصعيد الأحداث ورفض القيادة السورية التعاطي مع القضايا الوطنية أو المعارضة بشكل إيجابي والسماح بالتدخلات الخارجية”.
واعتبر الخبير عينه أن “مبادرة المغرب كانت حينَها لدعم الصف العربي وإرجاع سوريا إلى حظيرة جامعة الدول العربية والحفاظ على وحدة القُطر السوري في حدوده المعروفة وضمان الاستقرار والسلامة، وكذلك أيضا النأي بسوريا عن الارتماء في أحضان طهران”، مشددا على أن “الموقف المغربي هو -الآن- واضحٌ بغض النظر عما يحصل من المعارضة المسيطرة”.
وتابع بالشرح: “ملامح المرحلة المقبلة غير واضحة تماما؛ لكن المغرب يتوخى دائما الحذر، وسوف يتعامل مع القيادة السورية المنتقاة أو المنتخَبة من قِبل الشعب في إطار من الاحترام والود”، لافتا إلى أن “التركيز على نقطة الاستقرار الإقليمي هاجس أساسي بالنسبة للمغرب ومنظومة الدول العربية”.
“تخوف مغربي- عربي مشروع”
“ما يحصل الآن على الأرض السورية هو استكمال لحلقات التغول الاسرائيلي؛ ولا ننسى ما حصل في قطاع غزة وبعد ذلك بالجبهة اللبنانية، بداية من اغتيالات القيادات المهمة في حزب الله، المخططات التي ترمي لتشتيت المنطقة وتفتيتها من خلال أولا القضاء على ما كان يسمى بمحور الممانعة”، أثار لعروسي الانتباه، مضيفا عنصر “صعود قوى أخرى تحاول بصْمَ المنطقة وهي تركيا، لكن ربما أن الرابح الأكبر هو إسرائيل التي الآن تتدخل في النطاق الجغرافي السوري بدون تخوف أو حرص لأن الإمدادات الأساسية لإيران تم تقزيمها مع تدابير شبه صفقة ما بين هذه القوى في مقابل إيران سوف تكسب على المديين القريب والمتوسط”.
وبالتالي، خَلُص المدير العام لمركز منظورات للدراسات الجيوسياسية بالرباط إلى أن “التخوف المغربي، ربما، مَشروع على أساس مستقبل سوريا إذا تم تقسيمها وتوزيعها، وهذا ما سيُضعف المنطقة العربية ويفتح شهية الطرف الإسرائيلي للمزيد من قضم الأراضي العربية والمزيد في تغيير/تحويل الشرق الأوسط إلى شرق أوسط إسرائيلي عوض شرق أوسط عربي، وهذا ما يخشى منه، وهذا ما جاء في خطاب نتنياهو الذي أكد أن الشرق الأوسط يذهب في اتجاه التغيير”.
وأبرز الخبير ذاته أن “الموقف المغربي، والعربي كذلك، يخشى من هذه التطورات/التحولات؛ وبالتالي فالهدف من المرحلة المقباة هو تثبيت النظام أو تثبيت نظام السلطة السياسية، أو ضمان مرور سلس ومرن للانتقال الديمقراطي في سوريا دون النيل من سيادتها الوطنية والإقليمية”.
نهج “معتدل وبراغماتي”
في قراءته لتطورات سوريةٍ لم تضع أوزارها، قال هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية، إن “التطورات السريعة في سوريا بعد انهيار نظام الأسد تفتح الباب أمام إعادة تشكيل العلاقات المغاربية بناء على معطيات جديدة. هذه التحولات قد تدفع الرباط إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الدبلوماسية مع القيادة المستقبلية في دمشق، خاصة مع وجود توجه مغربي واضح لدعم استقرار سوريا ضمن إطار احترام وحدتها الترابية والسيادة الوطنية”.
وشرح معتضد فكرته بالقول: “من المرجح أن تعمل الرباط على استثمار هذا التحول لتعزيز مكانتها الإقليمية بإظهار نهجها المعتدل والبراغماتي في التعامل مع أزمات المنطقة..؛ ما قد يلهم دولا مغاربية أخرى لإعادة توجيه سياساتها بعيدا عن الاصطفافات التقليدية”.
وأبرز الباحث في الشؤون الاستراتيجية، في تصريحه لهسبريس، أن “غياب نظام الأسد، الذي كان يلعب دورا داعما لبعض الأجندات الإقليمية المثيرة للانقسام، قد يخلق فرصا لتحسين العلاقات داخل العالم العربي”، متوقعا أن “الدينامية الجديدة قد تعزز التعاون بين الدول العربية في ملفات الأمن الإقليمي ومحاربة الإرهاب والتعاون الاقتصادي، خاصة إذا توافرت رؤية مشتركة تتجاوز الخلافات التقليدية”.
“على المستوى الإقليمي، يمكن أن تؤدي هذه التحولات إلى إعادة التوازن داخل الجامعة العربية، حيث سيجد المغرب فرصة لتقديم أجندة جديدة تدعم الاستقرار والتنمية في سوريا؛ ما يعزز من دورها داخل المنظومة العربية”، لفت الباحث ذاته مسجلا أن ذلك “قد يساعد في بناء تفاهمات مغاربية جديدة تقوم على المصلحة المشتركة واحترام السيادة الوطنية لكل دولة”.
“ضربة قوية تَعزل الجزائر”
وجوابا عن سؤال حول موقف النظام الجزائري الذي طالما شكل أحد أضلُع محور إيران–سوريا، أبرز الباحث ذاته أن “خسارة النظام الجزائري لحليف استراتيجي مثل نظام الأسد تشكل ضربة قوية لتوجهاته الإقليمية، خاصة في ظل الدعم المشترك الذي كان يقدمه الطرفان لحركات انفصالية مثل ‘جبهة البوليساريو’. النظام الجزائري اعتمد طويلا على تحالفاته مع أنظمة ذات توجهات متقاربة لتعزيز مواقفه في الصراعات الإقليمية، ومع انهيار نظام الأسد، يجد نفسه أمام تحديات دبلوماسية أكبر في مواجهة المغرب الذي يواصل تعزيز حضوره الدولي والإقليمي”.
واستحضر معتضد دعما تاريخيا واضحا من نظام الأسد لموقف الجزائر بشأن قضية الصحراء المغربية؛ وهو ما أتاح للجزائر فرصة الاستناد إلى دعم إضافي في المنابر الإقليمية والدولية.
وزاد: “مع غياب هذا الحليف، ستضطر الجزائر إلى إعادة صياغة تحالفاتها وتعزيز استراتيجياتها الداخلية والخارجية لتجنب عزلة دبلوماسية محتملة. هذا الوضع قد يدفعها نحو البحث عن شراكات جديدة؛ لكنها قد تكون أقل فعالية من التحالف مع سوريا بالنظر إلى المصالح المتداخلة بين النظامين”.
على المستوى الإقليمي، يمكن أن يؤدي غياب نظام الأسد إلى تراجع قدرة الجزائر على لعب دور قوي في ملفات الشرق الأوسط؛ ما سيقلل من تأثيرها في التحالفات الإقليمية التي تهدف إلى مواجهة المغرب. كما أن هذه الخسارة قد تزيد من عزلة الجزائر داخل الاتحاد الإفريقي، خاصة في ظل الجهود المغربية المستمرة لتوطيد علاقاتها مع الدول الإفريقية على أسس التعاون المشترك.
وختم: “خسارة الجزائر لحليفها التقليدي في دمشق قد تدفعها إلى اعتماد سياسات أكثر تصعيدية تجاه المغرب لتعويض هذا الفراغ؛ وهو ما قد يؤدي إلى زيادة التوتر في العلاقات الثنائية. ومع ذلك، يبقى هذا السيناريو محدود الجدوى؛ بالنظر إلى النجاحات الدبلوماسية التي حققها المغرب في السنوات الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بالاعتراف الدولي بسيادته على الصحراء المغربية”.