عشية احتفاء دول المعمور باليوم العالمي لحقوق الإنسان والذكرى السادسة والسبعين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، شدد فاعلون سياسيون وحقوقيون وإعلاميون على ضرورة “القطع مع متابعة الصحافيين بالقانون الجنائي عوض قانون الصحافة والنشر”، ومراجعة آلية الدعم العمومي المقدم للمقاولات الصحافية “ليتم توجيهه مباشرة لفائدتها عوض أداء الدولة أجور الصحافيين بما يخدم إغناء التعددية وحرية التعبير”.
هؤلاء الذين استأثر تشخيص واقع الصحافة المغربية بحيز مهم من مداخلاتهم في ندوة “أسئلة حرية التعبير في مغرب اليوم”، التي نظمها فضاء أطر الرباط بحزب التقدم والاشتراكية، يؤكدون أنه من الناحية المبدئية “الصحافي ليس منزها عن الخطأ بالإطلاق”؛ غير أن “محاسبته تجب ألا تتم بالقانون الجنائي، بما يتوافق مع التوجه الدولي الرامي إلى إلغاء العقوبات السجنية في قضايا النشر”، مقترحين أن “يذهب الدعم العمومي لتقوية المقاولات ومنحها قروضا بدون فوائد”.
“مسار الإصلاح؟”
كريم التاج، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، بعد أن جدد “التضامن مع كل الصحافيين الذين يتعرضون لمضايقات في عملهم”، سرد ملامح المقاربة الشمولية التي اعتمدت في المغرب بداية الألفية للنهوض بالإعلام، وبشراكة بين الفاعلين الحكومي والإعلامي، موردا أنها “مستندة لرؤية قائمة على ثلاثة أبعاد رئيسية”.
البعد الأول، وفق ما كشفه التاج في الندوة التي سيرها الكاتب الصحافي عبد الله بوشطارت، تعلق بـ”تقوية المقاولات الصحافية والنهوض بها وجعلها حقوقية أكثر. ولذلك، جاء عقد البرنامج الذي أسس للدعم العمومي للمقاولات المكتوبة فالإلكترونية لاحقا”، مضيفا أن “هذا الدعم، الذي هدف لتقوية وتدعيم التنوع في البلاد، كان بالإمكان لأية مقاولة أن تلج إليه أي بصرف النظر عن خلفيتها السياسية، ويعتمد معايير موضوعية من قبيل عدد الصحافيين وعدد السحب”.
وأوضح المتحدث ذاته أن البعد الثاني “ارتبط بالصحافي؛ إذ بغرض ضمان السلطة وصول الدعم العمومي إلى العاملين، وفي إطار تقوية السلم الاجتماعي داخل القطاع، تم توقيع الاتفاقية الجماعية”.
وأردف التاج أن “البعد الثالث كان قانونيا، من خلال التشجيع على التنظيم القانوني للمهنة. وضمن هذا السياق، جاء قانون حرية الصحافة والنشر سنة 2016، في اتجاه حماية حرية الصحافي والتي هي الأصل، وكذلك التنظيم الذاتي للمهنة إلى أن وصلنا لإنشاء المجلس الوطني للصحافة”.
واعتبر الفاعل السياسي أنه “مع الأسف هذا المشروع بكل هذا الأفق يعيش إفراغا له من كنهه”، مشيرا إلى أنه تزامنا مع هذا المسار “كانت هناك أزمات بحيث كان صحافيون ينتقدون الفاعل العمومي، ومع ذلك امتنع الفاعلون عن جر الصحافيين للمساءلة القضائي، فبالأحرى متابعتهم بالقانون الجنائي؛ ما مكن من تجاوز مجموعة من الأزمات في هذا الجانب”.
“الجنائي” والدعم
متدخلا ضمن الندوة ذاتها، قال محمد اشماعو، محام ونائب رئيس جمعية عدالة، اعتبر أنه من غير المقبول أن يصبح لدى “لدى المسؤول تفكير زجري عقابي تجاه الصحافيين”، مُشيرا إلى أنه “عندما تتم متابعة الصحافي بالقانون الجنائي عوض قانون الصحافة والنشر، فإن القضاء لا يكون أمامه حينئذ إلا الحكم على المعني”.
في الصدد ذاته، ذكر اشماعو مجموعة من الأطر القضائية الموجهة للعمل القضائي في قضايا الصحافة والنشر”، موردا “الدستور المغربي والاتفاقيات الدولية الموقع عليها مع العلم أن هذه الاتفاقيات تسمو في تراتبيتها على القوانين الوطنية”، ومستدركا أنه “في الآن نفسه عندما يكون هناك مسؤولون سياسيون لا يؤمنون بالديمقراطية ولا حرية التعبير ولا المشاركة”، و”تكون هناك متابعة لصحيفة بالقانون الجنائي لأنها انتقدت وعبرت عن رأيها، فالأمر يصبح غير مفهوم”.
واستحضر المحامي عينه أنه “خلال ما بعد الاستقلال كانت هناك انتقادات صحافية بل أحيانا تشهير يطال مسؤولين، ولم يسبق لأي حزب سواء بالكتلة أو باليمين أو اليسار أن تابع صحافيا لأنهم كانوا يوقنون أن ذلك سيؤثر على صورتهم أنها ستضرر لدى الرأي العام، وهو ما لم يعد حاضرا”.
وأشار المحامي ذاته، من جهة ثانية، إلى “ضرورة خروج الدعم من السلطة التنفيذية وأن تشرف عليه المؤسسة الملكية أو أية جهة أخرى، على ألا يوجه لأداء رواتب الصحافيين بل كذلك لتقوية المقاولات ومنح قروض بدون فوائد بغرض دعم التعددية وحرية التعبير”.
ما طالب به اشماعو زكاه كريم التاج الذي وصف “أخذ الصحافيين أجورهم من الحكومة بوضعية “سوريالية”، مردفا أنه “سياق بدء هذا الأمر فترة جائحة كورونا، وقد خرج المغرب منها. ولذلك، يجب أن تنتهي هذه الوضعية”، مشددا على أنه “بصرف النظر عن طريقة هذا الدعم، يجب أن يذهب للمقاولة مباشرة فتتصرف به وتوجهه كما تشاء للاستثمار أو غيره”.
“إصلاحات ونقائص”
أما محمد السكتاوي، الكاتب العام لفرع منظمة العفو الدولية “أمنيستي” بالمغرب، فقال، في كلمة تلتها نيابة عنه إحدى عضوات حزب التقدم الاشتراكية، إنه “رغم الإصلاحات التي عرفها قانون الصحافة والنشر المغربي (القانون 88.13) عام 2016، ما زال يعاني من اختلالات جوهرية تجعله غير ملائم لحماية حرية التعبير والصحافة”، مشيرا إلى “غموض في الصياغة القانونية، مع غياب تعريف دقيق للحدود بين ممارسة حرية التعبير وما يعتبر مخالفة”.
في الصدد ذاته، عدّ السكتاوي أن “عدم الاقتصار على قانون الصحافة لمعالجة القضايا المتعلقة بالصحافيين”، و”إحالتهم إلى القانون الجنائي، بما يشمل جرائم مثل التشهير أو “نشر أخبار زائفة”، التي يُعاقب عليها بعقوبات سجنية”، كل ذلك “ما يعاكس الاتجاه الدولي الرامي إلى إلغاء العقوبات السجنية في قضايا النشر”.
وبخصوص الوصول إلى المعلومة، سجل الكاتب العام لفرع منظمة العفو الدولية “أمنيستي” بالمغرب أنه “رغم وجود قانون للحصول على المعلومات (القانون 31.13)، فإن تطبيقه يعاني من عراقيل إدارية وعدم التزام الجهات المعنية؛ مما يضعف قدرة الصحافيين على أداء دورهم الرقابي”، وفق تعبير الفاعل الحقوقي عينه.