لم يعد سكان المدن والأحياء الهامشية وحدهم من يكابدون ويعانون بسبب قرارات منع تمكينهم من رخص البناء لغياب مخططات التصميم أو توقيف الرخص، بل بات الأمر يشمل سكان العالم القروي الذين باتوا بدورهم يعانون من المنع وهدم البنايات المشيدة بغير ترخيص.
الصرامة التي تواجه بها السلطات سكان البوادي في العديد من أقاليم المملكة بشأن رخص البناء ومنع حفر الآبار، تثير الكثير من التساؤلات لدى الساكنة القروية والمنتخبين وحتى المسؤولين في بعض الأحيان، خصوصا وأن هذا الوضع يحمله كثُرٌ مسؤولية استمرار الهجرة نحو المدن بحثا عن حياة أفضل.
حسن الكريمي، بنّاء يتحدر من إحدى قرى إقليم العرائش، لم تسمح له السلطات قبل ثلاث سنوات ببناء سكن يؤويه وأبناءه، فقرر الهجرة إلى مدينة طنجة التي تمثل منطقة جذب لكل من ضاقت بهم سبل العيش في الشمال، خصوصا مع الانفجار العمراني والسكاني الذي تعرفه.
يقول الكريمي في تصريح لهسبريس: “كنت أعيش مع العائلة في منزل كبير، تزوجت ولدي 4 أطفال، ونحن أسرة كبيرة، لما أردت أن أبني سكنا خاصا بي وبأبنائي، واجهت صعوبات وعراقيل كبيرة دفعتي إلى الهجرة”.
وأضاف الرجل البالغ من العمر حوالي 45 سنة: “صراحة، الأمور أصبحت معقدة في البوادي مع توالي سنوات الجفاف والمنع الذي يطال البناء وحفر الآبار”، مؤكدا أنه يعرف “الكثير من الأسر التي هاجرت من القرية نحو المدن المجاورة أو طنجة”.
وطالب المتحدث السلطات بمراجعة طريقة تعاملها مع سكان البوادي والقرى الذين يضطر كثُرٌ منهم إلى الهجرة نحو المدن بسبب التعقيدات التي يواجهونها، معتبرا أن هذا الأمر قد يدفع إلى إفراغ القرى من السكان في المستقبل.
أحمد الطلحي، خبير في الهجرة والتنمية القروية، يرى أن الوضع ليس بالقتامة التي يتصورها البعض، وأن الهجرة القروية نحو المدن في المغرب “تراجعت وقلّت مقارنة مع الموجات التي شهدتها البلاد في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي”.
وسجل الطلحي، في حديث مع هسبريس حول الموضوع نفسه، أن التحديات التي يواجهها سكان العالم القروي في الوقت الحالي “تختلف عن التحديات التي كانت في السابق، رغم أن الوضع الحالي يتميز بالجفاف وقلة الموارد المائية”.
واعتبر أن الإشكال الذي تواجهه المناطق القروية وساكنتها يتمثل في رخص التعمير والبناء، مؤكدا أهمية إيجاد الحلول القانونية الضرورية والمناسبة لمعالجة الإشكالات الناتجة عنه.
وشدد المتحدث على أن التشريع المغربي “لا يساير تطورات المجتمع في هذا المجال”، وطالب بالعمل على إنجاز دراسات واقعية لمواكبة الدينامية السريعة التي تعرفها المناطق القروية على مستوى الاستثمار والنمو الديموغرافي وتدارك وتيرة التشريع البطيئة في هذا المجال.
وأكد الطلحي أن المدخل التشريعي والقانوني أساسي ومحوري في تقديم الإجابة المطلوبة والحل المناسب لجميع المشاكل المطروحة وتداعياتها على مستقبل العالم القروي، مشددا على ضرورة اعتماد مقاربة تشاركية حقيقية في الوصول إلى ذلك عبر إشراك الناس في الميدان والمنتخبين والخبراء في التأسيس لها، مبرزا أن هذا الأمر كفيل بالحد من الهجرة نحو المدن رغم “قلتها مقارنة مع العقود الأخيرة من القرن الماضي”.
0 تعليق