افتُتحت السبت كاتدرائية نوتردام الواقعة بمدينة باريس في الجمهورية الفرنسية بعد حوالي خمس سنوات من الأشغال التي عرفتها بعدما دمرها حريق هائل مازالت صوره عالقة في أذهان كثيرين في ربيع 2019، وتلته وقتها حملات للتبرع لإعادة البناء من مختلف دول العالم.
ورغم كونه أحد المشرفين الرسميين على إعادة الكاتدرائية إلى هيئتها كفضاء تعبّدي لم يُكتب للحرفي المغربي عز الدين هدنة أن يعيش هذه اللحظة إلى جانب الفرنسيين والعالم أجمع، إذ لم يمهله القدر كثيرا، فقد غادر دنيا الناس في شهر نونبر الماضي، تاركا وراءه “نوتردام” تنتظر ولادتها الثانية.
ويعتبر عز الدين هدنة من بين المشرفين المركزيين على الأشغال بالمعلمة الدينية ذاتها، حيث توفي في ليلة 8-9 نونبر الماضي “متأثرا بظروف صحية” وفق ما نقلته وسائل إعلام فرنسية متطابقة؛ ورغم رحيله إلا أنه كان موضوعا لكثير ممن تابعوا بشغف إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام، السبت، وذلك “عرفانا لما قدمه إلى جانب الآلاف من العمال الآخرين الذين شاركوا في هذا الورش طيلة السنوات الماضية”.
وبحسب ما نقله مجلس الجالية المغربية بالخارج فإن عز الدين الذي توقفت حياته في حدود 64 سنة ينحدر من عائلة مغربية، وهو أحد أبناء بلقاسم هدنة، جندي قاتل في الحرب العالمية الثانية، لاسيما في معركة “مونتي كاسينو”. وبدأ عز الدين العمل في سن الرابعة عشرة في مهن مختلفة قبل أن ينضم إلى موقع إعادة بناء نوتردام.
المجلس ذاته لفت الانتباه إلى أن “عز الدين نشأ بين إخوانه محمد ومصطفى ورشيد وعبد الله ونادية وحكيم، وتولى دور رب الأسرة سنة 1980 بعد طلاق والديهما”، مردفا: “عرف أدق تفاصيل كنيسة نوتردام؛ لقد كان حاضرا دائما ومهتما، إذ كان أحد عمال الظل الذين لولاهم لما كان موقع البناء ليتقدم”.
وبعدما وافته المنية بفرنسا جرى نقل جثمان المغربي ذاته إلى الدار البيضاء، حيث ووري الثرى، وفق “مجلس الجالية” دائما، في وقت حظي باحترام كبير في الوسط الفرنسي، سواء من المجتمع أو حتى من السياسيين، إذ سبق أن قال فيليب جوست، رئيس المؤسسة العامة المسؤولة عن العمل بالكاتدرائية عنه: “كان عامل سقالة من خلال التزامه وطاقته وحماسة ولطفه فاز بصداقة الجميع، وجسد حقا الحالة الذهنية لهذه المغامرة الإنسانية الرائعة لاستعادة الكاتدرائية؛ حالة من الالتزام والوحدة والتضامن والفخر”.
إيمانويل ماكرون، رئيس الجمهورية الفرنسية، عزّى هو الآخر في وفاة العامل المغربي، إذ قال خلال كلمته داخل الكاتدرائية في نهاية نونبر الماضي مخاطبا العمال: “كنتم عائلة كبيرة خلال السنوات الخمس الماضية، بآلامها وأفراحها. لن أنسى أحدا، خصوصا عز الدين هدنة الذي تعرفونه جميعا”، وهو ما كان محطّ تصفيق مطول من زملائه من العمال.
وظفرت وفاة الحرفي المغربي بالكثير من التفاعلات، إذ حصد تعاطفا كبيرا على اعتبار أن رحيله عن دنيا الناس أتى أسابيع قليلة قبل افتتاح المعلمة التي كان من بين المشرفين على الأعمال داخلها طيلة السنوات الخمس الماضية؛ فقد أمطره زملاؤه في العمل بعبارات الثناء التي نقلتها الصحافة الفرنسية.
رشيدة داتي، وزيرة الثقافة الفرنسية ذات الأصول المغربية، كانت هي الأخرى تحدثت عن الراحل عز الدين هدنة في وقت سابق، إذ كتبت على موقع “إكس”: “لقد تأثرت قلوبنا برحيل عز الدين هدنة، أحد مهندسي تجديد كاتدرائية نوتردام؛ كل التعازي لعائلته وأحبائه وزملائه الحرفيين الذين فقدوا واحدا منهم… لن ننسى أنه بفضل رجال مثله ستستعيد نوتردام روعتها”.
أما سميرة سيطايل، سفيرة المغرب بفرنسا، فصرّحت لفائدة “TV5 MONDE” بأنها بعثت تعازي لعائلة الفقيد التي تحدثت إلى أحد أفرادها، متابعة: “لقد أمضى سنواته الأخيرة كعامل سقالة بكاتدرائية نوتردام؛ فالفخرُ الذي كان يعبر عنه يمثل المغربَ في قيمه وتاريخه كذلك”.
تجدر الإشارة إلى أن الأمير مولاي رشيد شارك، أول أمس السبت، في حفل إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام بباريس، إلى جانب عدد من رؤساء وزعماء العالم، على رأسهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وحضر زهاء 40 رئيس دولة وحكومة إلى العاصمة الفرنسية لإحياء حفل إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام بعد إعادة ترميمها في أعقاب حريق عام 2019.
جدير بالذكر، أيضا، أن بلاغا لسفارة المغرب في فرنسا في أبريل 2019 أشار إلى أن السفير وقتها، شكيب بنموسى، “أبلغ رئيس أساقفة باريس بأنه، وبتعليمات سامية من جلالة الملك، أمير المؤمنين، قررت المملكة المغربية تقديم مساهمة مالية من أجل إعادة بناء كاتدرائية نوتردام دوباري”.