جرس إنذار جديد قد لا يكون الأخير قرعتْه بيانات ومعطيات كشفت عنها خدمة مرصد “كوبرنيكوس”، التابع للاتحاد الأوروبي، إذ نبّه إلى أن العام 2024 في مسار متسارع “ليكون العام الأكثر حرارة على الإطلاق”، منذ بدء تسجيل درجات الحرارة؛ وهو ما ينذر باستمرار تداعيات مدمّرة تتسبب فيها التغيرات المناخية الناتجة عن الاحتباس الحراري لكوكب الأرض والاحترار المتزايد في البحار والمحيطات.
وأفادت البيانات التي تم احتسابها وفق تقديرات مؤقتة لعام 2024 استنادًا إلى 11 شهراً (من يناير إلى نوفمبر)، وطالعتها جريدة هسبريس الإلكترونية، بأن “شهر نونبر 2024 كان ثاني أكثر الأشهر سخونةً على مستوى العالم؛ بشكل يؤكد التوقعات بأن عام 2024 يتجه ليكون هو العام الأكثر سخونة على الإطلاق تاريخيا، منذ بدء التسجيلات”.
وبينما أشار المرصد الأوروبي المختص إلى أن “عام 2024 سيتخطى سابِقَهُ 2023 ليصبح العام الأعلى حرارة منذ بدء التسجيلات”، مستندا خصوصا إلى حرارة شهريْ أكتوبر ونونبر الماضيين، لفت المصدر ذاته الانتباه إلى أن عام 2024 سيدخل التاريخ بوصفه “أول عام فوق زائد 1,5 درجة مئوية”؛ وذلك باحتساب الاختلالات السنوية لدرجات الحرارة العالمية بالنسبة إلى ما قبل عصر الثورة الصناعية (1850-1900).
ويأتي هذا إثر مفاوضات عسيرة توصلت إثرَها الدول المشاركة في مؤتمر الأطراف للأمم المتحدة حول تغير المناخ “كوب-29”، الذي انعقد في أذربيجان، الشهر المنصرم، إلى “اتفاق صعب” حول زيادة التمويل لمواجهة آثار وتداعيات تغير المناخ، خصوصا بالنسبة للدول الفقيرة.
ونبه المرصد عبر أحدث الخرائط والرسوم البيانية المتوفرة إلى “وقوع اختلال في درجات حرارة الهواء السطحية العالمية خلال الأشهر الـ11 الماضية من سنة 2024، إذ سجل شهر نونبر لوحده زائد 1,62 درجة مئوية”، مسجلا في السياق “تزايد الحالات الشاذة والمتطرفة في مسار تطور درجات حرارة سطح المحيط خلال شهر نونبر مقارنة بباقي الأشهر وبيانات 2023”.
“خطير جدا”
تعليقا على الموضوع شدد أستاذ علم المناخ في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء محمد سعيد قروق على ضرورة عدم الاستهانة بما أبرزته بيانات مرصد “كوبرنيكوس”، التي تعد مرجعاً عالمياً لقياس درجات الحرارة الأرضية وفي المحيطات والبحار كما درجة حرارة الهواء.
وتابع قروق، في تعليق حول الموضوع وأبعاده، بأن “استقراء الأرقام مع تحليل المسارات لتطور درجات الحرارة المسجلة في نونبر ومقارنتها بباقي الأشهر يوضّح مدى خطورة الوضع المناخي الحالي، مع زيادة غير مسبوقة في درجات الحرارة”.
“كما يعتبر إنذارا واضحاً يبرز أن العالم بحاجة إلى تغييرات جذرية في طريقة تعامله مع البيئة”، يستنتج الخبير المناخي المغربي، لافتا إلى أن “تجاوز عتبة +1.5 درجة مئوية قد يضع البشرية في موقف خطير جدًا”، حسب وصفه.
وبحسب خبراء مناخيين ونشطاء في مجال البيئة والتنمية المستدامة فإن “خطورة الوضع المناخي الحالي، سواء عالميا أو إقليميًا، بعد زيادة غير مسبوقة في درجات الحرارة فاقت عتبة +1,5 درجة مئوية، كان ومازال بمثابة إنذار واضح لصناع السياسات الطاقية والصناعية نحو مزيد من الالتزامات البيئية، لاسيما بعد ‘اتفاق باريس 2015’، الذي شددت بموجبه الدول على محاولة منع ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى ما يزيد عن 1.5 درجة مئوية لتجنب العواقب الأسوأ للاحتباس الحراري”.
“تسارُع يقابله تقاعس”
في حالة زيادات قياسية في سخونة المناخ في كل القارات والمحيطات فإنه من المؤكد أن البشرية “ستشهد تحطيم الأرقام القياسية”، حتى قبل حلول العام 2025 أو 2030 كما أشارت إلى ذلك توقعات سابقة؛ وهو ما لفت إليه أيوب كرير، ناشط بيئي في قضايا التنمية المستدامة والمناخ رئيس جمعية “أوكسجين للبيئة والصحة”.
وسجل كرير، مُصرحاً لجريدة هسبريس، أن “الأمر ليس بجديد؛ فما جاء في بيانات المرصد الأوروبي مسنود بمجموعة من التقارير التي ترسم الاتجاه التحذيري نفسه ذا المنحى الخطير بعواقب جد مدمرة للكوكب وهلاك منظوماته للتنوع البيولوجي، خصوصا المنظومة الحيّة للحيوانات التي صار بعضها محكوما عليه بالانقراض في مناطق عديدة بالعالم”.
وقال المتحدث ذاته: “منذ سنوات شهد العالم تغيُّرا فجائيا غير مسبوق بارتفاع درجات الحرارة على صعيد معظم المناطق والقارات”، مؤكدا أن “البشرية لم تعُد تحس بتغير المناخ بين الفينة والأخرى، بل نشاهده ونلمسه أكثر سنة بعد أخرى”، ومعتبرا أن “السياسات الصناعية للدول الكبرى الملوثة عبر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن حرق الفحم والنفط والغاز مازالت تمثل السبب الرئيسي لاحترار الأرض والمحيطات”.
ولفت الناشط البيئي المغربي إلى أن “العالم يجترّ تراكم تبعات خطيرة”، معتبرا أن “تعهُّد المنتظَم الدولي، خلال اتفاق باريس للمناخ عام 2015 «كوب 21»، بخفض درجة الحرارة بنسبة درجتيْن إلى درجة ونصف مئوية عند مستويات ما قبل الثورة الصناعية تبيّن أنه غير ذي جدوى خلال السنوات الأخيرة، بحكم أن هناك مماطلة واستهتارا في التزامات الدول وزعمائها، لأن التدابير التي اتخذتها الدول لم تُنفذ بالشكل المطلوب”.
وأورد كرير أن “المغرب معني جدا وجزء لا يتجزأ من المنظومة الدولية لتداعيات التغير المناخي، علاقة بموقعه الجغرافي المتأثر جنوب المتوسط وشمال إفريقيا؛ ورغم توفره على تنوع إيكولوجي غني جدا فهو أصبح يعيش تداخل الفصول، وعدم انتظام التساقطات المطرية وغياب كلي للثلوج في قمم جبال الأطلس في عز أشهر الشتاء”، منبها إلى “خطر فقدان المناطق الرطبة ونضوب مصادر المياه الطبيعية العذبة”.
وختم المتحدث: “أثبت العالم أنه لا يتوفر على أيّ رغبة في تسريع العمل لمكافحة التغير المناخي، بل نرى خذلان وتقاعس ومماطلة دول العالم تجاه كوكبها وهو يتجه إلى تدمير منظومته الحيوية وهلاكه؛ ما يجعل الفوضى المناخية التوصيف الأنسب”.