باقتدار وكفاءة عاليتين، يقود الإطار التقني المغربي محمد وهبي المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة لكرة القدم إلى أعلى مدارج المجد الكروي، بعد أن أطاح رفقة كتيبته في نهائيات كأس العالم لهذه الفئة الجارية أطوارها في الشيلي بمجموعة من أقوى المدارس الكروية الشهيرة، كان آخرها المدرسة الفرنسية في دور النصف، ليضرب موعدا مع المنتخب الأرجنتيني في المشهد الختامي لهذه التظاهرة العالمية.
فهذا الإنجاز الاستثنائي والتاريخي الذي حققه وهبي (48 سنة) رفقة الأشبال، جعله يدخل خانة المدربين الكبار على الرغم من أنه يمثل جيلا جديدا من المدربين الطموحين، الذين تركوا بصمتهم في تاريخ الكرة المغربية في وقت قصير كالحسين عموتة وجمال السلامي ووليد الركراكي وطارق السكتوي ونبيل باها؛ إذ سبق لوهبي قيادة المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة إلى احتلال وصافة بطولة كأس أمم إفريقيا بمصر، قبل ستة أشهر، حين خسر المباراة النهائية ضد منتخب جنوب إفريقيا بهدف نظيف.
فمنذ تعيينه مدربا وطنيا لأشبال الأطلس عام 2022، أثبت محمد وهبي علو كعبه في تكوين جيل من اللاعبين الشباب، القادرين على صناعة أمجاد الكرة المغربية، مسلحا بتكوينه الأكاديمي والعلمي في بلجيكا، كيف لا وهو الحاصل على أعلى دبلوم للاتحاد الأوروبي لكرة القدم (ويفا برو).
ولم يكن من قبيل الصدفة توليه الإشراف على المنتخب الوطني المغربي تحت 20 عاما سنة 2022، خلفا لعبد الله الإدريسي، حيث قادته كفاءته المهنية لهذه المهمة، ويحقق مع الأشبال إنجازات متتالية، بدءا بالتتويج ببطولة شمال أفريقيا التي أقيمت في مصر سنة 2024، مرورا بحصوله على مركز الوصافة في الكأس القارية، ووصولا إلى بطولة كأس العالم بالشيلي، التي يقدم فيها مستويات رائعة أثمرت انتزاع بطاقة التأهل إلى النهائي، عقب فوز مثير على منتخب فرنسا (5-4) بعد الاحتكام إلى ضربات الترجيح، في إنجاز يعكس طموح محمد وهبي في رفع التحدي وتحويل الأحلام إلى واقع .
وبرأي المحللين التقنيين، يعتمد وهبي في خططه على نهج تكتيكي محكم وعلى التركيز الذهني والقتالية، علاوة على تميزه بهدوئه وحسن تعامله مع مجريات المباريات، وحرصه على الجدية والانضباط داخل الملعب وخارجه، وهي مميزات ساعدت “أشبال الأطلس” على كسب الرهان في مختلف الأدوار الاقصائية لمونديال الشيلي، وبلوغ النهائي عن جدارة واستحقاق.
وفي هذا السياق، قال وهبي في تصريحات لموقع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا): “نعمل كثيرا مع اللاعبين على الجانب الذهني: عليهم أن يلعبوا بعقول صافية. لدينا هدف واضح: الوصول إلى النهائي. ولتحقيق ذلك، علينا الفوز دون أن نولي اهتماما كبيرا لهوية الخصم، سواء كان البرازيل أو فرنسا أو إسبانيا أو المكسيك. علينا التفكير في أنفسنا فقط وبذل أقصى ما لدينا”.
وأضاف أن كلمة “المغرب” هي “مفتاح النجاح. فجميع اللاعبين يتشاركون هدفا واحدا: المغرب، وطنهم، شعبهم، وملكهم. هذا ما يوحدهم. يمكنك رؤية ذلك في كل مباراة، في كل ركضة، في كل هجمة مرتدة. لديهم عزيمة لا تلين. إنهم يشعرون بدعم بلد بأكمله، وهذا يساهم في إشعاع صورة المغرب على الساحة العالمية، ليس فقط في كرة القدم، بل في القيم التي نظهرها، والتي ظهرت بالفعل في كأس العالم 2022، مثل الوحدة والتضامن والاحترام. وطبيعي أن هذا أمر جيد أيضا لأفريقيا: من المهم أن تبدأ قارتنا في الفوز بالألقاب الدولية”.
وعن السر الكامن وراء التألق المغربي، قال وهبي: “ما فعله وليد الركراكي مع المنتخب الأول في مونديال 2022 بقطر مهد الطريق أمامنا نحن المدربين المغاربة، لقد كسرنا سقفا زجاجيا. وبمجرد كسره، يبدأ الآخرون في الإيمان بإمكانية الوصول إلى المجد الكروي (…) في السابق، كانت هناك نوع من الخشية أو العائق النفسي. الآن لم نعد نخشى أحدا، لكن مع الاستمرار في احترام الجميع “.
وكباقي المدربين، لم يسلم وهبي من سهام الانتقادات التي وجهت له عقب خسارته في نهائي كأس أمم إفريقيا في مصر أمام منتخب جنوب إفريقيا، لكن رباطة جأشه جعلته يعود بقوة ليثبت أن الثقة في الكفاءات الوطنية ليست خيارا عاطفيا بل هي رهان راب يدعو إلى الاطمئنان على مستقبل كرة القدم المغربية.
والواقع أن المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة، بقيادة المدرب محمد وهبي، نجح في كتابة فصل جديد من أمجاد الكرة المغربية، بعدما بلغ نهائي كأس العالم لأول مرة في تاريخه، في انتظار أن يكتمل الحلم بالتتويج العالمي ليلة الأحد-الاثنين، حينما يواجه منتخب الأرجنتين في المشهد الختامي لهذه التظاهرة العالمية.
0 تعليق