انتقد جمال أبرنوص، الأستاذ الجامعي والباحث في الدراسات الأمازيغية، ما وصفها بـ”نزعة المجد الفردي” التي تطغى على إنجاز الدراسات والأطاريح والبحوث الأكاديمية باللغة الأمازيغية، داعياً في الوقت ذاته إلى تشجيع فرص البحث بهذه اللغة في مضمار البحث العلمي بالمغرب، بغية الوصول إلى ما أسماه “الاستئلاف المصطلحي والمعجمي”.
وأكد أبرنوص، في مداخلة له تحت عنوان “رصد المكتسبات في مجال إنتاج المعرفة بالأمازيغية”، على هامش ندوة نظمها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الأربعاء، في إطار تخليد الذكرى الرابعة والعشرين للخطاب الملكي بأجدير، أن حصيلة التأليف والنشر بالمعهد “بلغت 538 إصداراً، أي بمعدل 25.6 إصدار كل سنة، أو منشورين في الشهر، وهو رقم عالٍ جداً إذا ما قارناه بمؤسسات ذات صفة قانونية مماثلة، كالمحافظة السامية للأمازيغية بالجزائر ومجلس اللغة الغيلية باسكتلندا”.
وفي معرض مداخلته التي خصصها لعرض حصيلة التأليف داخل المعهد أوضح المتحدث ذاته أن “الدراسات والأبحاث استحوذت على ما نسبته 26.6 في المائة، والندوات والمحاضرات على 17 في المائة، ثم الترجمات والحوامل التربوية وكتب الأطفال على 14.7 و13.6 في المائة على التوالي”، مسجلاً “هيمنة معرفية وبحثية على هذه المنشورات، بدليل أن الدراسات والأبحاث والندوات والمحاضرات وأعداد مجلة ‘سيناك’ التي يصدرها المعهد بلغت حوالي نصف إجمالي المنشورات”.
وتابع الأستاذ الجامعي ذاته بأن “هذا الرقم يؤكد أن البحث العلمي هو القلب النابض لنشاط النشر بالمعهد، وأن الأخير ينشغل أساساً بتوطين المعرفة ونقلها وتوفير المادة المعرفية الكفيلة بإدماج الأمازيغية في المجالات العامة”، مشيراً أيضاً إلى “حضور لافت لأدوات التجسير الثقافي والبيداغوجي التي تلعب دوراً هاماً في مشروع إدماج اللغة الأمازيغية في المدرسة والجامعة، من خلال الترجمات وكتب الأطفال والقواميس”.
في المقابل لفت أبرنوص إلى “تمثيلية مقبولة لفئة الإبداع والتوثيق والرقمنة، إذ بلغت منشورات الإبداعات 44 إصداراً، إلا أن هذا العدد إجمالاً يبقى دون انتظارات المبدع الأمازيغي، مع تسجيل جهد توثيقي مقبول جداً، وغياب رهان قوي على الموارد الرقمية، رغم أن الرقم المتعلق بها يظل مرتفعاً بالنظر إلى المتاح على مستوى الموارد البشرية واللوجستية في هذا الإطار”.
وأكد المتحدث أن “المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية مؤسسة ذات إنتاجية عالية وكفاءة ممتازة في استغلال مواردها البشرية، إذ تدل أرقام النشر على انخفاض في الهدر وارتفاع في عوائد الاستثمار ومؤشر المردودية البحثية، خاصة أن كل باحث يساهم في إنتاج ثلاثة أرباع منشور في السنة، وهو معدل يفوق كثيراً ما تحققه المراكز البحثية التي تعنى بالدراسات المتخصصة”.
وحول مضامين الإصدارات أوضح الباحث الأمازيغي ذاته أن “منشورات المعهد تتوخى قدراً مقبولاً من التوازن الإستراتيجي بين رهان المعيرة ورهان البحث العلمي، وحرصاً على الملاءمة المنهجية، إذ تنطوي مجملها على حد أقصى من الاحترام الحميد لضوابط التخصصات”، وزاد: “هناك أيضاً محاولات حثيثة لوضع أسس البنية التحتية للمجال البحثي بجمع معاجم وقواميس ومتون أدبية يمكن أن تشكل مادة أولية لدراسات مستقبلية”.
وفي المقابل دعا أبرنوص إلى “إيجاد حل استعجالي لمعضلة النشر والتوزيع، ذلك أن بطء مسطرة النشر يُنفر الكثير من الباحثين الجادين، فيما يحول ضعف توزيعية منشورات المؤسسة دون اطلاع الكثير من الباحثين على جديد الإنتاج العلمي”، منبهاً إلى ضرورة إنشاء منصة رقمية موحدة للمنشورات وتبسيط الوصول إليها؛ كما نبه إلى “ضعف التسويق والتعريف بالإصدارات على المستوى الإعلامي وعلى مستوى الحضور في المعارض الوطنية”، مشدداً في الوقت ذاته على “أهمية تحسين آليات التحكيم العلمية، خصوصاً الانفتاح الدائم على خبرات علمية خارج ‘إيركام’، وتطوير مؤشرات لقياس الأداء لتقييم تأثير المنشورات في السوق البحثية والعلمية، ومدى حضورها في الإعلام ومساهمتها في إغناء النقاش الثقافي والسياسة اللغوية، وتأثيرها في مساحة استعمال الأمازيغية في الفضاءات العامة”.
وأشار المتحدث أيضاً إلى أهمية “توخي الصرامة الشديدة في توحيد القواعد الإملائية في المنشورات، إذ نسجل عدم الالتزام بالقواعد حتى في الأمور غير الخلافية، وندعو إلى رفع وتيرة العمل الترجمي مع الانفتاح على الأعمال العلمية التي تستحق أن تُترجم، لكي تتطور الأمازيغية”.
وفي سياق مماثل أوصى الأستاذ الجامعي ذاته بـ”النأي عن الحيادية المطلقة، ذلك أن المعهد بصفته مؤسسة رسمية يلجأ في كثير من الأحيان إلى خطاب فوق سياسي لإدارة التنوع الثقافي في إطار سردية تكاد تضيق فيها المسافة بين الحكومي والدولتي، وكذا تجنب الخوض الصريح في القضايا السياسية الخلافية المتعلقة ببطء أو إخفاق الترسيم في الإدارة والتعليم، والتركيز في المقابل على الأبعاد الآمنة واللغة المجردة”، ودعا إلى ما أسماه “عدم الانفصال عن الديناميات المدنية الأمازيغية”، إذ قال إن “كثيراً من الأصوات صارت تتخوف من أن تتحول الحيادية المفرطة إلى نوع من التخلي عن دور الداعم للقضية لصالح دور الموثق، وبالتالي تصبح بعض المنشورات، من حيث لا تريد ولا تدري، أدوات لتبرير الإخفاقات الحكومية في إدماج الأمازيغية في المجالات العامة”.
0 تعليق