بعد مرور حوالي ثلاث سنوات على الانطلاق الرسمي لتنزيل الحماية الاجتماعية في المغرب، لا تزال المشاريع المشكلة لهذا الورش موضوع دراسات بحثية متواترة تأخذها بالدراسة والتحليل، لتقف عند جوانب قوتها ونقاط الضعف فيها. ولعل من آخر هذه الدراسات تلك التي صدرت عن “مبادرة الإصلاح العربي”، وتناولت مشروع تعميم التغطية الصحية؛ فتوقفت عند مجموعة من الفجوات، من ضمنها “استبعاده المهاجرين واللاجئين كليا”.
هذه الخلاصة التي توصل إليها السوسيولوجي مُعد الدراسة عبد الهادي الحلحولي، معتبرا أن الأمر “يتعارض أيضا مع المقاربة الحقوقية” لا يبدو أن باحثين في قضايا الهجرة وحقوقيين يتفقون معها تماما، إذ يشيرون إلى أنه “من الصعب أساسا تسجيل المهاجرين غير النظاميين في التغطية الصحية الإجبارية؛ بالنظر إلى وضعيتهم غير القانونية وغير المرئية في آن، وكذا تنقلهم الدائم أساسا الذي يصعب عملية تجميع المعطيات الشخصية اللازمة لهذا التسجيل”.
ولفت هؤلاء الباحثون الانتباه إلى أن “المهاجرين المقيمين بصفة قانونية هم من المنخرطين في مشروع التغطية الصحية الشاملة بالمغرب” يذكرون “بكون غير النظاميين يستفيدون من خدمات صحية وطبية مجانية تقدم من قبل التعاون الوطني”، مشددين في هذا الصدد على أن “المهم هو أن تكون جودة هذه الخدمات في مستوى جودة تلك المتوفرة للمواطنين المغاربة المستفيدين من التغطية الصحية الإجبارية”.
تحديات وصيغ الحل
عبد الفتاح الزين، منسق الشبكة الإفريقية للهجرة والتنمية، نفى أن يكون “مشروع تعميم التغطية الصحية الشاملة قد استبعد فئات المهاجرين واللاجئين بالمغرب على الإطلاق”، مبرزا أن “المهاجرين الموجودين بصفة نظامية على تراب المملكة يستفيدون شأنهم شأن المغاربة من التأمين الإجباري عن المرض AMO “.
وأضاف الزين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الاستفادة من التغطية الصحية الإجبارية يؤدى عنها؛ وذلك بعد التسجيل الضروري في السجل الاجتماعي الموحد الذي يخول للفئات الهشة الاستفادة من خدمات اجتماعية أخرى، على رأسها الضمان الاجتماعي”، موضحا أنه “على هذا الإساس، فإنه من الصعوبة بمكان إدماج المهاجر في حال كان غير نظامي، وبالتبعية غير مرئي، في التغطية الصحية الإجبارية”.
وتابع الباحث في قضايا الهجرة شارحا: “بالنسبة لأية دولة، بما في ذلك المغرب؛ فإن المهاجر الموجود في نزاع مع القانون (غير نظامي) لا توجد أية طريقة للوصول إليه والتأكد من المعلومات اللازمة لاستفادته من مثل هذه المشاريع”.
وأشار المصرح عينه إلى وجود “مذكرة سابقة لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، وُجهت إلى جميع المستشفيات المغربية من أجل تمكين المهاجرين والمهاجرات من الخدمات الصحية والطبية بشكل مجاني”، لافتا إلى أن “المهاجرات الحوامل يتابعن مجانا بالمؤسسات الصحية، ويمنحن وثيقة الولادة في المغرب”. وزاد: “هذا الأمر هو ما خول الكثير من المهاجرات وأطفالهن الاستفادة من التسوية التي تمت سنة 2014”.
وذكر الباحث في قضايا الهجرة بأن “المهاجرين الموجودين في نزاع مع القانون (غير نظاميين) يستفيدون من الخدمات الاجتماعية التي يوفرها التعاون الوطني لجميع الفئات الهشة”، مبرزا أن “تمكين هؤلاء المهاجرين أسوة بالمغاربة من الخدمات نفسها في إطار صندوق موحد للفئات الهشة هو ميزة مغربية وسابقة في تاريخ الدول؛ ففي فرنسا وإسبانيا على سبيل المثال تتم مساعدة فئة المهاجرين واللاجئين من خلال صندوق خاص بها”.
توفير البدائل
سجل عادل تشيكيطو، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، أنه “من الناحية الإجرائية يصعب الدفع بوجوب دمج المهاجرين غير النظاميين، تحديدا، في مشروع التغطية الصحية الشاملة؛ نظرا لوجود مجموع من الإشكالات التي تحول دون هذا الأمر؛ على رأسها وضعيتهم القانونية، واعتبار أغلبيتهم للمغرب منطقة عبور فقط”، موضحا أنه “يصعب تجميع المعطيات الشخصية من هؤلاء، اللازمة للقيام بتسجيلهم في التأمين الإجباري الأساسي عن المرض؛ لكونهم يغيرون أماكنهم باستمرار”.
واستدرك تشكيطو، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه “حقوقيا، يبقى من المفروض أن يبحث المغرب ويجد بدائل حقيقية من أجل توفير الرعاية الصحية والخدمات الطبية المجانية للمهاجرين غير النظاميين، خاصة أنه ملزم بتنفيذ بنود اتفاقيات دولية صادق عليها تتعلق بحماية حقوق هذه الفئة”.
وبخصوص لجوء المغرب إلى تمتيع هذه الفئة من خدمات التعاون الوطني، شدد المتحدث عينه على أن “المهم في نهاية المطاف ليست الجهة التي تقدم خدمات الرعاية الصحية للمهاجرين؛ وزارة الصحة كانت أم التعاون الوطني أو غيرهما.. إن ما يهم أساسا هو جودة هذه الخدمات ومدى مطابقتها لتلك التي يحصل عليها المواطنون المغاربة المستفيدون من خدمات التغطية الصحية”.
وفي هذا الصدد، استحضر المصرح عينه أن “القوانين التي تؤطر الأوراش الاجتماعية بالمملكة المغربية تنص على تمتيع جميع الموجودين على ترابها على اختلاف جنسياتهم ودياناتهم بالخدمات الاجتماعية نفسها، بما في ذلك الصحية”.