قال عمر زنيبر، السفير الممثل الدائم للمغرب لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف والرئيس الحالي لمجلس حقوق الإنسان لسنة 2024، إن “تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة في المغرب يعد مسارا استباقيا هدفه وضع حد لماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بكل عدل وإنصاف”، مسجلا أن إحداثها جاء “ثمرة نقاش بين مختلف الفاعلين في المغرب، بمن فيهم المجتمع المدني وضحايا الانتهاكات وأسرهم”.
وأضاف زنبير، في كلمة مصورة موجهة للمشاركين في الندوة الدولية حول “التجربة المغربية في مجال العدالة الانتقالية” التي ينظمها البرلمان المغربي بغرفتيه، أن “هيئة الإنصاف والمصالحة تقف نموذجا مشرقا لقدرة العدالة الانتقالية على النهوض بالمساءلة وتعزيز المصالحة وبناء أسس الإصلاحات المؤسساتية والمجتمعية”، مبرزا أنه “من خلال إشراك الفاعلين السياسيين والقوى الحية للوطن في الكشف عن الحقيقة وإحقاق العدل وجبر الضرر للضحايا، مكنت هيئة الإنصاف والمصالحة من طي صفحة ماضي الانتهاكات وإطلاق التفكير بشأن منع تكرارها”.
وبالنسبة لزنيبر، فإنه “من عوامل نجاح تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة إدماج توصياتها في دستور المملكة المغربية لعام 2011″، وزاد: “لذلك، اعتمد المغرب دستورا حديثا يعزز سيادة الاتفاقيات الدولية ويجرم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ويكرس هذه القوق إلى جانب الحريات الأساسية، وفصل السلط وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة”.
وتابع المسؤول الأممي المغربي قائلا: “لا جدال في أن من الدروس المستفادة من مبادرات العدالة الانتقالية في المغرب وفي مناطق أخرى هو أهمية ربط العدالة الانتقالية بالإصلاحات طويلة الأمد في مجال حقوق الإنسان والتنمية المستدامة”، مضيفا أن “عمل هيئة الإنصاف والمصالحة لم يتوقف على معالجة ماضي انتهاكات حقوق الإنسان فحسب؛ بل كان الأساس لإصلاحات ما زالت تشكل المجتمع، بما في ذلك الحوكمة وتطبيق القانون والإطار المؤسساتي لضمان عدم تكرار الانتهاكات”.
وزاد المتحدث في كلمته المصورة: “حري بنا، ونحن نحتفل بالذكرى العشرين لتأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة، أن نتعلم الدروس من تجربة المغرب وتجارب دول أخرى، فينبغي للعدالة الانتقالية أن تكون نبراسا للأمل والعدل والإصلاح، تعين المجتمعات على إعادة البناء ومنع تكرار الانتهاكات لدى الأجيال المقبلة”.
وفي سياق مماثل، ذكر المتحدث أن “العدالة الانتقالية تسعى إلى الاعتراف للضحايا وتقوية ثقة الأشخاص في مؤسسات الدولة وتعزيز احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون في سبيل تحقيق المصالحة ومنع تكرار انتهاكات الماضي”، مسجلا أنه “خلال الدورة الـ54 لمجلس حقوق الإنسان، اعتُمدَ القرار 8-54 الذي أعدنا فيه التأكيد على الدور المحوري الذي يضطلع به المقرر الخاص المعني بتعزيز الحقيقة والعدالة والجبر وضمانات عدم التكرار”. ويؤكد القرار، إلى جانب المبادئ الأساسية والمبادئ التوجيهية بشأن الحق في الانتصاف والجبر لضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني، على أهمية معالجة انتهاكات الماضي من أجل منع ارتكاب الفظاعات في المستقبل واستعادة الثقة في المؤسسات”.
وذكر أيضا أنه “في أكتوبر 2023 أيضا، أصدر الأمين العام للأمم المتحدة مذكرة توجيهية جديدة بشأن العدالة الانتقالية، وهي وثيقة تاريخية تُموقِع من جديد العدالة الانتقالية باعتبارها أداة استراتيجية لبناء السلام وتحقيق التنمية”، مبرزا أن “هذه المقاربة تتأسس على المذكرة التوجيهية التي صدرت عام 2010 وتؤكد على ضرورة أن تبادر الأمم المتحدة إلى دعم مسارات العدالة الانتقالية بصورة أكثر استراتيجية وابتكارا وشمولا”.
ووضح زنبير أن “المذكرة التوجيهية الجديدة لا تنظر إلى العدالة الانتقالية باعتبارها آلية لمعالجة انتهاكات الماضي فحسب؛ بل تجعل منها أداة أساسية لتحقيق السلام الدائم وحماية حقوق الإنسان”، مبينا أن “المفوض السامي لحقوق الإنسان أكد، في العديد من خطاباته وتصريحاته، أن المساءلة عن ماضي الانتهاكات الجسيمة، بما في ذلك من خلال مبادرات العدالة الانتقالية، ليس تمرينا يبتغي النبش في الماضي من أجل إعادة كتابته أو تسوية الحسابات”.
وتابع قائلا: “إن العدالة الانتقالية هي ضمان السلام والاستقرار في المستقبل من خلال إعادة التأكيد على القيم والمعايير الأساسية لحقوق الإنسان والالتزام بها والسعي إلى منع تكرار الانتهاكات وحماية حقوق الإنسان والانتقال الديمقراطي والتعافي والمصالحة التي تحتاجها المجتمع المنقسمة من أجل إعادة البناء والمضي قدما”، مؤكدا على إحداث آليات وإجراءات عديدة من أجل تحقيق العدالة الانتقالية ومحاربة الإفلات من العقاب.