بعنوان “بتحسّ إنّك مش بني آدم” أصدرت منظمة العفو الدولية (أمنستي)، اليوم الخميس، تقريرا وصفته بـ”التاريخي” مع عنوان فرعي هو: “الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة”، ضاما خلاصات مهمة للمنظمة الحقوقية الدولية غير الحكومية البارزة، قصدَ إنهاء “الفصل العنصري” الإسرائيلي، ومحاسبة “مجرمي الحرب” ومرتكبي “جريمة الإبادة الجماعية” بالأراضي الفلسطينية المحتلة.
خلاصات التقرير
قالت منظمة العفو الدولية إن “بحوثها وجدت أدلة وافية تثبت أن إسرائيل ارتكبت، ومازالت ترتكب، جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة المحتل”، موثقة “فتح إسرائيل أبواب الجحيم والدمار على الفلسطينيين في قطاع غزة، بصورة سافرة ومستمرة، مع الإفلات التام من العقاب، أثناء هجومها العسكري على القطاع، في أعقاب الهجمات المميتة التي قادتها حماس في جنوب إسرائيل يوم 7 أكتوبر سنة 2023”.
وفي تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية قال محمد السكتاوي، الكاتب العام لفرع منظمة العفو الدولية بالمغرب، إن “أمنستي” خلصت في تقريرها “من خلال ما جمعته من أدلة ميدانية ومادية ملموسة”، إلى أن “إسرائيل ارتكبت ومازالت ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين بعد 7 أكتوبر 2023، عبر سياستها وأفعالها وإغفالاتها”.
وأضاف السكتاوي: “انطلاقا من التوثيق وجد التقرير أن إسرائيل ارتكبت أفعالا تحظرها اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، بقصد خاص، هو: تدمير الفلسطينيين في قطاع غزة بصفتهم فلسطينيين. وفلسطينيو غزة يشكلون جزءا كبيرا من الشعب الفلسطيني، وهم جماعة محمية بفعل اتفاقية منع الإبادة الجماعية”.
وواصل الحقوقي ذاته: “لقد ركّز التقرير على ثلاث من أصل خمس اتفاقيات تمنع الإبادة: حظر قتل أعضاء من الجماعة المحمية، حظر إلحاق أذى نفسي وبدني كبير بهم، وحظر إخضاعهم لظروف معيشية لتدميرههم المادي كليا أو جزئيا. ويسلط التقرير كذلك الضوء على ما فرضته إسرائيل على الفلسطينيين بقطاع غزة من ظروف معينة تريد بها تدميرهم بنطاق واسع من التخريب والتدمير لمنشآت ومرافق لا غنى عنها لبقاء السكان على قيد الحياة، مع الموجات المتكررة من التهجير القسري في ظروف غير آمنة وغير إنسانية، وعرقلة الإمدادات المنقذة للأرواح من مساعدات إنسانية وخدمات أساسية في قطاع غزة”.
ما المنهجية؟
هذه الجرائم المنتمية إلى “الإبادة الجماعية” حدثت، وفق الحقوقي المغربي محمد السكتاوي، “متزامنة واستمرت شهورا بلا هوادة؛ ففقامت آثارُها الضارة بعضَها البعض”، وهو ما وثقته “أمنستي” عبر أمور من بينها “تحليل 15 غارة جوية، والاطلاع على تحليلات منظمات أخرى، لتسليط الضوء على كيف تسبب القصف الإسرائيلي على قطاع غزة عمدا، عكس ادعاءاته، في سقوط عدد كبير جدا من القتلى والجرحى في صفوف السكان أطفالا ونساء ومرضى ومن كافة الفئات البشرية”.
وأضاف الكاتب العام لـ”أمنستي المغرب”: “لقد وثقت منظمة العفو الدولية سلوك إسرائيل في قطاع غزة من خلال الأبحاث التي أجرتها ميدانيا، في المكان، وعن بعد في حالة عدم التمكن؛ فأجرت مقابلات مع 212 شخصا، من بينهم الضحايا والشهود الفلسطينيون على الغارات الجوية، والتهجير القسري، والاعتقال، وتدمير المزارع، والمنازل، والمناطق الزراعية، والبنيات التحتية المدنية، فضلا عن الأفراد الذين عانوا من أثر القيود الإسرائيلية على المساعدات الإنسانية”.
كما وقفت المنظمة الدولية غير الحكومية المدافعة عن حقوق الإنسان “على بواعث القلق المتعلقة بوصول المساعدات الإنسانية، والظروف المعيشية بغزة، وتحدثت مع المسؤولين بالسلطات المحلية بغزة والعاملين في مجال الرعاية الصحية والمرافق الطبية، والأفراد المستجيبين للمساعدة الإنسانية في إطار جمعيات”.
واستندت “أمنستي” إلى “مجموعة واسعة من الأدلة المرئية والرقمية، بما في ذلك صور الأقمار الصناعية، والصور الفوتوغرافية الكثيرة، وعدد هائل من التصريحات من الجنود والمسؤولين الإسرائيليين، مثل حديث جندي إسرائيلي عن تلذذه بحرق منزل وتباهي آخرين بجرائم حرب (…) وبيانات وتقارير أخرى صادرة عن منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية والفلسطينية ووكالات الأمم المتحدة، والمنظمات الإنسانية في قطاع غزة مثل (الأونروا)”.
وبعد تحليل “هذه التصريحات والبيانات، سواء كان مصدرها الحكومة أو الجيش الإسرائيليين أو الهيئات الرسمية الإسرائيلية”، وتعاون مع خبراء في مجالات من بينها “مجال الأسلحة”، كانت الخلاصة: “القصف الإسرائيلي العمدي على قطاع غزة إبادةٌ جماعية، هدفها إبادة الفلسطينيين القاطنين به”.
ما العمل؟
يقول السكتاوي إن تقرير منظمة العفو الدولية هذا “موجه لتعبئة الرأي العام، وتحفيز الضمير الإنساني بشكل عام، وحشد الجمهور العام على المستوى الدولي؛ بهدف مركزي هو إنهاء دوامة الإفلات من العقاب المستمرة منذ أمد طويل من الجرائم تشمل إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، التي تجد جذورها في نظام الأبارتهايد (الفصل العنصري)، والاحتلال غير المشروع للأراضي الفلسطينية منذ سنة 1948”.
وأضاف المتحدث ذاته: “سنستخدم كل الوسائل في حوزتنا لإنهاء الإبادة الجماعية وإخضاع مرتكبيها للمساءلة”، ثم استحضر دعوى دولة “جنوب إفريقيا” أمام محكمة العدل الدولية حول خرق إسرائيل اتفاقية منع الإبادة الجماعية، ليقول: “ينبغي الاستناد إلى كل هذه التقارير والوثائق والأدلة، الصادرة عن منظمة العفو الدولية وغيرها، للنظر في إضافة جريمة الإبادة الجماعية بشكل مستعجل إلى تحقيقات محكمة العدل الدولية، التي يشتغل مدّعيها العام الآن على الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب”.
ثم أردف الحقوقي بأن “أمنستي” “تطمح إلى أن يسرّع المدعي العام لمحكمة العدل الدولية وتيرة تحقيقاته؛ لأن الناس تحت القتل والإبادة الجماعية الآن، وهذا غير قابل للتأجيل (…) كما نتوخى من جميع الدول بذل كل ما في وسعها لتحقيق العدالة والمسؤولية الجنائية الفردية لنتنياهو ووزير دفاعه غالانت، وجنرالاته وجنوده؛ فكل هؤلاء ينبغي أن يكونوا عرضة للمساءلة”.
ثم استرسل السكتاوي: “باستخدام الولاية القضائية العالمية ليس من الضروري محاكمة نتنياهو وغالانت أمام المحكمة الجنائية الدولية، فإذا دخل مجرم إلى المغرب، سواء كان دولة منخرطة أو غير منخرطة في المحكمة الجنائية الدولية، ينبغي القبض عليه وتقديمه للمحاكمة باستخدام الولاية القضائية العالمية؛ لأنه بما أن المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مذكرتي اعتقال لنتينياهو و(وزير الحرب) السابق غالانت أصبح لزاما على جميع الدول الأعضاء وغير الأعضاء أيضا الانخراط؛ فهذه مسؤولية دولية، بما يشمل الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من حلفاء إسرائيل، فهم يتحملون مسؤولية تنفيذ قرارات المحكمة الجنائية الدولية، والتعاون معها ومع الدول الأخرى وغيرها من آليات العدالة الدولية”.
ومغربيا يقول الحقوقي المغربي إنه “على المجتمع المدني والسياسي والحكومة والبرلمان والمشرّعين والقانونيين أن يكونوا حاضرين إقليميا وعالميا بالتنفيذ والتأطير وتوفير الوثائق إن وجدت، ودعم الترسانة من الأدلة والوثائق لتكون للعدالة الدولية قوتها وأثرها”، وزاد: “بالإضافة إلى أننا ننتظر أن يكون للمغرب دور في الضغط على المستوى الدولي، عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن وهيئات دولية أخرى، لوقف تسليح إسرائيل”.
ثم ختم الكاتب العام لـ”أمنستي المغرب” تصريحه لهسبريس بقوله: “هذا جزء مما يجب أن تقوم به دولتنا بكافة أطيافها، وكافة مكوناتها، لا فقط انطلاقا من المفهوم القومي، بل التزاما بالمفهوم الإنساني والواجبات التي علينا كجزء من المنظومة الدولية؛ فلا يجب أن ننكر العدالة، وألا ننفذ التزاماتنا، ولا بد أن يكون للمواطن المغربي والمجتمع المدني بأحزابه وهيئاته الدور الضاغط أيضا على الجهات المسؤولة في المغرب، ليكون لها برنامج للانخراط في المجهود الدولي لوقف الإبادة الجماعية في غزة الآن”.