أصبح الماء الصالح للشرب عنصرا أساسيا بين المعايير التي يأخذها المشترون والمستثمرون في الاعتبار عند اختيارهم العقارات بالدار البيضاء، بعدما كانت هذه المادة الحيوية عاملا ثانويا مقارنة بمعايير أخرى، مثل السعر والمرافق والبنية التحتية، وكذلك القرب من المناطق الاقتصادية والخدمات.
وتزايد تأثير نقص المياه والمشاكل المستمرة في التزود بشكل كبير على الطلب في بعض مناطق العاصمة الاقتصادية؛ ما أرخى بظلاله على الأسعار في السوق العقارية، تحديدا في المجالات الجغرافية التي تواجه مشاكل متكررة في إمدادات المياه أو انخفاض الصبيب المائي، حيث سجلت قيمة العقارات السكنية والمهنية تراجعا مهما، مقابل تحسن في قيمة المنتوجات العقارية بالمناطق التي تتمتع بإمدادات موثوقة بالماء.
وتواجه الدار البيضاء، ذات الكثافة السكانية الأعلى وطنيا، تحديات كبرى فيما يتعلق بتوفير المياه الصالحة للشرب، حيث أكدت السلطات المحلية خلال السنة الماضية أن المدينة تعاني ضغطا متزايدا على شبكات إمدادات المياه بسبب “الإجهاد المائي” وارتفاع عدد السكان، علما أن الموارد المائية السطحية التي تأتي من حوض أم الربيع والسدود في جهة الدار البيضاء- سطات، رغم أهميتها، لا تزال غير كافية لتلبية احتياجات سكان المدينة المتزايدة، خصوصا بعد توالي سنوات الجفاف، وانتظار تشغيل محطة تحلية المياه الكبرى التي أطلقت أشغال بنائها بجماعة المهارزة والتي يرتقب أن توفر موارد مائية جديدة للعاصمة الاقتصادية.
وتواجه بعض المناطق في الدار البيضاء، خصوصا في الضواحي مثل الحي الحسني وألماز والنواصر وبرشيد والدروة، مشاكل متكررة في انقطاع المياه وضعف الصبيب؛ مما يجعل الحياة اليومية أكثر صعوبة للسكان.
وقد جعلت هذه الوضعية الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بالشاوية (RADEEC) سابقا، الشركة الجهوية متعددة الخدمات الدار البيضاء SRM حاليا، تتبنى نظاما لترشيد المياه وتشجيع السكان على استخدام المياه بشكل أكثر كفاءة.
ومن ناحية أخرى، حافظت مناطق، مثل المعاريف والصخور السوداء والحي المحمدي وسيدي البرنوصي، على ببنية تحتية أفضل، مستفيدة من إمدادات مستقرة بالمياه؛ ما جعلها أكثر جذبا للمشترين والمستثمرين.
وشهدت سوق العقارات في الدار البيضاء تغييرات ملحوظة بسبب التحديات المتعلقة بإمدادات المياه. وفي المناطق التي تعاني من مشاكل في التزود، مثل الحي الحسني وألماز، انخفض الطلب على العقارات السكنية بشكل متسارع أخيرا.
ووفقا لدراسة أجراها المركز الجهوي للاستثمار في الدار البيضاء برسم 2023، تراجعت أسعار العقارات في هذه المناطق بنسبة تأرجحت بين 5 في المائة و10 في المتوسط؛ وهو ما يعزى بشكل رئيسي إلى مشاكل الإمداد بالماء الصالح للشرب.
وأوضحت الدراسة ذاتها أن مناطق أخرى في المقابل، مثل المعاريف والصخور السوداء، حفز استقرار إمدادها بالمادة الحيوية الطلب على العقارات التي ارتفعت أسعارها بنسبة تراوحت بين 8 في المائة و15 خلال السنوات الأخيرة.
وأوضح عادل أوبيهي، وكيل عقاري معتمد في الدار البيضاء، في تصريح لهسبريس، أن “تأثير الإمدادات المائية على سوق العقارات في الدار البيضاء أصبح جليا في الفترة الأخيرة، خصوصا في المناطق التي تعاني من نقص في هذه المادة الحيوية”، مشددا على أن الوكلاء العقاريين هم الأكثر ارتباطا بالسوق وأحسوا بتغير في الطلب بسبب اختلالات التزود بالماء في مناطق متفرقة من العاصمة الاقتصادية.
وشدد أوبيهي على أن عددا من الملاك اضطروا أمام تراجع الطلب إلى تخفيض أسعار عقاراتهم، خصوصا بعد شيوع مشاكل أحياء ومناطق معينة عند التزود بالمادة الحيوية وتعرضها لانقطاعات متكررة في الإمدادات؛ بعضها كان موضوع إشعارات من قبل الشركات المفوض لها تدبير الماء والكهرباء والتطهير السائل، قبل أخذ الشركة الجهوية متعدد الخدمات زمام الأمور.
وتابعت سمية حمايتي، وكيلة تجارية لدى شركة عقارية في الدار البيضاء، في تصريح للجريدة، أن “هذا التحول في الطلب أثر بشكل خاص على الشقق والعقارات التجارية، حيث يبحث المستثمرون عن الأماكن الأكثر استقرارا من حيث البنية التحتية، بما في ذلك توفير الماء، ما يضمن استدامة قيمة العقار على المدى الطويل.
وفي الوقت الذي يعاني فيه جزء من السوق من تراجع، نجد أن الطلب في المناطق ذات الإمدادات المائية المستقرة لا يزال قوي؛، ما يعكس تأثير العوامل البيئية على القرارات الاستثمارية في القطاع العقاري”، مشددة على أن عددا من المنعشين العقاريين أصبحوا يتجنبون الاستثمار في مناطق بعينها، بسبب الإكراهات المرتبطة بالتزود بالماء الصالح للشرب؛ فيما آخرون شرعوا في تحويل هذا المعطى إلى وسيلة جذب تجارية إلى مشاريعهم.
ومع زيادة الطلب على حلول التزود المستدامة بالمياه، قد يتوجه بعض المستثمرين نحو مشاريع البنية التحتية المتعلقة بتأمين إمدادات المياه، مثل إنشاء خزانات في المرافق السكنية المشتركة أو استثمارات في شبكات المياه الذكية؛ ما يعيد رسم خارطة الاستثمار العقاري في الدار البيضاء، خاصة في المناطق الأكثر تضررا من اختلالات التزود.