أثارت زيارة السفير الجزائري في ليبيا إلى منطقة نالوت الأمازيغية في الجبل الغربي، ووصفه لها بأنها “عمق إستراتيجي لبلاده”، إضافة إلى مناقشته قضايا تتعلق بالشريط الحدودي بين البلدين مع أعيان ومشايخ المنطقة، ردود فعل مستنكرة في الداخل الليبي، لما اعتُبر تدخلاً جزائرياً سافراً في الشأن الليبي ومساهمة في تعميق الأزمة السياسية في البلاد، وسط اتهامات للنظام الجزائري بمحاولة استخدام المدن الأمازيغية الليبية لتصفية الحسابات مع المغرب، ومطالب بطرد هذا الدبلوماسي ومحاسبة الأشخاص الذين التقوه.
في هذا الصدد قال عبد المنعم العرفي، عضو مجلس النواب الليبي، في تصريح إعلامي: “زيارة السفير الجزائري إلى مدن الأمازيغ ووصفها بأنها عمق إستراتيجي لبلاده تدخل سافر في الشأن الليبي. ونرفض التدخل في شؤوننا وفرض السيادة علينا وتمثيلنا بأننا عمق إستراتيجي للجزائر”، وزاد: “الجزائر تريد استخدام المدن الأمازيغية كأدوات لتصفية حساباتها مع المغرب. وعلى لجنة الخارجية بالبرلمان مخاطبة الجزائر بأن سفيرها قام بفعل غير مقبول في ليبيا”.
وانتقد علي الصول، عضو مجلس النواب، هو الآخر، هذه الزيارة التي اعتبرها انتهاكاً للسيادة الليبية، موردا أن “عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة الوطنية في الغرب الليبي، ومحمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، مستعدان لبيع ليبيا للبقاء في السلطة”، في إشارة إلى تحالفهما مع الجزائر، ومتسائلاً في تصريح لإحدى القنوات التلفزيونية الليبية: “ما علاقة السفير الجزائري أو أي سفير بالحدود؟”.
وفي السياق ذاته جاءت تصريحات جبريل أوحيدة، النائب في البرلمان الليبي، الذي أكد أن “تصرفات السفير الجزائري تسهم بشكل مباشر في استمرار الأزمة الليبية”، مشيراً إلى أن “الجزائر تهدف من خلال هذه التصرفات إلى استدامة الأزمة الليبية لتحقيق مصالح خاصة بها”. فيما اعتبر عادل كرموس، رئيس اللجنة القانونية بالمجلس الأعلى للدولة في ليبيا، في تصريح إعلامي، أن “جولات السفراء راجعة إلى ضعف السلطات بالمنطقة الغربية تحديداً، وعدم دراية الأجهزة الأمنية بدورها، وعجزها عن الحفاظ على سيادة الدولة”.
تطاول على الأعراف
قال إدريس أحميد، محلل سياسي ليبي مهتم بالشأن المغاربي، إن “هناك أعرافا دبلوماسية تحد من حركة السفراء داخل الدول المعتمدين بها، غير أن السفير الجزائري في ليبيا تطاول على هذه الأعراف”، مضيفًا أن “حالة عدم الاستقرار السياسي التي تشهدها ليبيا، مع استمرار الانقسام، جعلت من السفراء الموجودين هناك يصولون ويجولون بين المدن ويلتقون بمن يشاؤون بكل حرية”.
وأوضح أحميد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “زيارة السفير الجزائري إلى منطقة نالوت غير واضحة الأهداف، وإن كان هناك حديث عن موضوع تأمين الحدود”، مردفا: “إذا كان الأمر كذلك بالفعل يجب أن تتم مخاطبة السلطات المسؤولة التي ينبغي التنسيق معها بشأن قضايا من هذا الحجم، بدل الحديث مع مناطق ليست لها صلاحيات تدبير مسألة الحدود، وإن كانت ليبيا الآن تعيش حالة من الفوضى”.
وتابع المتحدث ذاته بأن “هذه الزيارة المشبوهة تسائل للأسف حكومة عبد الحميد الدبيبة، فإن كانت على علم بها وسمحت بها فهذا مشكل، وإن لم تكن فالإشكال أكبر”، مشيرًا إلى أن “هذه الزيارة غير مرغوب فيها وقوبلت برفض كبير من طرف عدد من السياسيين الذين حذروا من مثل هذه التحركات التي تنطوي على تطاول على السيادة الليبية، وتعميق لحالة عدم الاستقرار التي تعرفها البلاد”.
وبيّن المحلل السياسي الليبي أن “الجزائر لديها خلافات مع أمازيغها، وبالتالي لا يعقل أن تتجاوز حدودها لكي تتباحث مع أمازيغ ليبيا، بينما كان الأجدر أن تتفاهم أولًا مع مكونها الأمازيغي الذي مازال يرفع العديد من المطالب؛ وهذا أمر يرفضه الليبيون، كما يرفضون استغلال الأمازيغ في ليبيا من أجل تصفية الحسابات مع المغرب”، متابعا: “المملكة المغربية دولة مستقرة ودولة مؤسسات، حققت انسجامًا بين كل مكونات المجتمع المغربي الواعي بطبيعة دوره، وعليه نرفض رفضًا قاطعًا أي محاولة للتأثير أو ضرب استقرار المغرب من خلال استغلال الحالة السياسية في ليبيا”.
تضييق على المغرب
أورد محمد عطيف، باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية، أن “زيارة السفير الجزائري إلى المناطق الأمازيغية الليبية واعتبارها امتدادا إستراتيجيا لبلاده مجرد حلقة من مسلسل المحاولات الجزائرية لزعزعة استقرار دول الجوار، وخلق حالة من عدم اليقين السياسي في المنطقة”، مضيفًا أن “النظام الجزائري يسعى إلى استغلال الأمازيغ في ليبيا من أجل إيجاد موطئ قدم له في هذا البلد، وتعميق أزمته السياسية، وتوظيفهم في صراعه الإقليمي مع المغرب”.
وأضاف الباحث ذاته، في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه الواقعة تفضح الأدوار التخريبية للنظام الجزائري في المنطقة وانتهاكه سيادة الدول وتدخله في شؤونها الداخلية، وليست هذه المرة الأولى ولا الأخيرة، إذ سبق للحكومة المالية أن رفضت التدخلات الجزائرية في مالي ومحاولات فرض تسويات سياسية معينة عليها”، مشددًا على أن “التحركات الجزائرية في ليبيا تكشف زيف شعار دعم استقرار البلاد والوحدة المغاربية الذي تتغنى به الجزائر”.
وبيّن المتحدث ذاته أن “الجزائر تحاول البحث عن آليات جديدة لاستغلالها في التضييق على المغرب من خلال استهداف الدول غير المستقرة، كالدولة الليبية، وتغيير موازين القوى السياسية بها لصالح أجندتها في المنطقة، وأيضًا من خلال محاولة نقل أزماتها الداخلية إلى دول مستقرة؛ وإن أكد هذا على شيء فإنما يؤكد أن النظام الجزائري فيروس ينخر الجسم المغاربي وينتهك قواعد القانون الدولي التي يدّعي التزامه بها”.
وخلص عطيف إلى أن “هذا التدخل الجزائري في ليبيا ومحاولة تأليب الأمازيغ في هذا البلد ضد المغرب، وهو ما حذر منه بعض السياسيين الليبيين، يؤكد بالملموس أن مشروع التكتل المغاربي الثلاثي الذي طرحته الجزائر على تونس وليبيا ليس مشروعًا تكامليًا، وإنما يروم إحكام القبضة على هذه الدول وتغذية الصراعات بها، وبالتالي استغلالها لمحاصرة المغرب؛ كما يؤكد أن الجزائر لا تحترم سيادة الدول التي دخلت معها في هذا التكتل المشبوه، وهو ما يجب أن تلتقطه السلطات في هذه الدول”.