تفاعلت الحكومة إيجابيا مع مطلب اجتماعي ظل “معلقا” لسنوات وجددته أخيرا وقفات احتجاجية ومراسلات وتعديلات معظم فرق ومجموعات مجلس المستشارين.
يتعلق الأمر بـالإعفاء الكلي للمعاشات والإيرادات العمرية المدفوعة في إطار أنظمة التقاعد الأساسي من الضريبة على الدخل، وسيتم ذلك على “دفعتين: 50 في المائة سنة 2025، و50 في المائة سنة 2026”.
التعديل الذي جاء إثر مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2025 وقبله فوزي لقجع، الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، يمس المادة 57 من المدونة العامة للضرائب، مستهدفا “الإعفاء الكلي للمعاشات والإيرادات العمرية المدفوعة في إطار أنظمة التقاعد الأساسي، باستثناء تلك المدفوعة في إطار أنظمة التقاعد التكميلي”.
من حيث الأثر المالي المرتقب، أفاد لقجع، متحدثا أمام لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بالغرفة البرلمانية الثانية، بأن “مراجعة الضريبة على الدخل في ما يتعلق بدخول المتقاعدين، والأجراء أيضا، سيخلف أثرا ماليا قدره 10 مليارات درهم، ستتحمله الدولة في إطار القيام بهذه الإجراءات الجديدة”.
وفي سياق متصل، كان وزير الميزانية قد كشف، أول أمس الاثنين، أمام “ممثلي الأمة” أن الإصلاح الضريبي المتعلق بالضريبة على الدخل “يتيح توسيع قاعدة المعفيين إلى 80% بدءا من فاتح يناير 2025”.
وبينما سارعت تنظيمات نقابية إلى “مباركة وتثمين” هذا الإجراء، الذي “يعكس استجابة جزئية لمطلب طويل الأمد، ويعد خطوة إيجابية نحو تحسين الظروف المعيشية للمتقاعدين في المملكة”، مثلما جاء في توصيف المنظمة الديمقراطية للشغل، يرى خبراء وباحثون في الشأن الاقتصادي أنه “سيكون له أثر إيجابي في تعزيز وتقوية القدرة الشرائية لهذه الفئة”.
القدرة الشرائية
يرى يوسف كراوي الفيلالي، باحث اقتصادي رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، أن “الإجراء المتخذ على مستوى تعديلات القانون المالي 2025، سيمكن من تحسين القدرة الشرائية لهذه الفئة، بحكم أنها قد بلغت سن التقاعد وهي بحاجة لهذا الدخل الذي يعد أساسيا بالنسبة لها”.
وقال الفيلالي، في تصريح لهسبريس، إن الإعفاء الضريبي، وفق التصريح الحكومي، “سيكون ذا أثر بـ10 مليار درهم بشكل لن يخلق مشكلا في توازنات الميزانية، لأنه اليوم عندنا أكثر من 128 مليار درهم كعجز، بما يمثل 10 في المئة من الناتج الداخلي الخام”، مسجلا أن “10 مليارات إضافية ستنفع هذه الفئة في تعزيز القدرة الشرائية وتحسينها، خصوصا في ظل موجات تضخمية متوقعة الحدوث في السنوات المقبلة جراء ازدياد الطلب على الماء، وازدياد الضغط على الطاقة وربما ارتفاعات قد تطال المواد الفلاحية والغذائية”.
الخبير الاقتصادي ذاته رصد إيجابا تداعيات الإعفاء الضريبي الكلي لمعاشات المتقاعدين، “خصوصا أن هذه الفئة ليس لديها تنويع مصادر الدخل ولا تتوفر على مصادر موارد أخرى عكس الفئة الشبابية والنشطة”، وزاد معلقا: “هذه الالتفاتة جيدة للمتقاعدين، لا سيما أن بعضهم ذوو أمراض مزمنة بمستلزمات تتبع الحالة الصحية واقتناء المواد الصيدلية”.
وختم المصرح بـ”ملاحظة” أنه “كان يتعين أيضا التفكير في فئات الشغيلة، لأن تخفيض سعر الضريبة الهامشي بنقطة واحدة لا يمكن أن يعزز القدرة الشرائية للأجراء ويحمي مستخدمي وعمال القطاع الخاص”، مؤكدا أن “تخفيض الضريبة على الدخل كان يجب أن يكون بنقاط مئوية أكبر”، مستحضرا في السياق “استفادة أكبر لموظفي القطاع العمومي مع مخرجات الحوار الاجتماعي من زيادات أخرى لاحقة”.
دورة الاقتصاد
أكد عبد الرزاق الهيري، مدير مختبر “تنسيق الدراسات والأبحاث في التحليلات والتوقعات الاقتصادية” بكلية الاقتصاد في فاس، أن “الإعفاء الضريبي للمعاشات هو تلبية لمطالب المتقاعدين التي عبروا عنها منذ سنوات عدة”، مضيفا أنه “سيحدث آثارا إيجابية ومزايا عدة”.
وقال الهيري، ضمن تصريح لهسبريس، إن أولى المنافع هي “الرفع من قيمة المعاشات، وبالتالي تحسين القدرة الشرائية للمتقاعدين في ظرفية تتسم بالتضخم”، والمنفعة الثانية هي أن “هذا الرفع من قيمة المعاش يمكن المتقاعدين من تحسين قدرتهم على تغطية النفقات الاستشفائية والصيدلانية، علما أن هذه الفئة العمرية تتجاوز 63 سنة وتعرف ارتفاعا متزايدا للطلب على الخدمات الصحية”.
ولفت أستاذ الاقتصاد إلى أن “هذا الرفع من قيمة المعاش عن طريق الإعفاء الكلي من ضريبة الدخل، سيمكن هذه الشريحة من تغطية نفقات أخرى مرتبطة بتحسين ظروف العيش والحياة والبحث عن الرفاهية”، مشيرا في هذا الصدد إلى “تمويل الأسفار والخدمات الأخرى التي تدخل في خانة تحسين مستوى العيش”.
على مستوى آخر، فالإعفاء الضريبي، يشرح الهيري، “سيؤدي إلى انخفاض العائدات الضريبية وسيحرم الدولة من عائدات مهمة قدرت بـ10 مليارات درهم خلال 2025 و2026″، غير أن هذا “ليس بعائق؛ لأن السلطات العمومية عازمة على تنفيذ سياسة جبائية إصلاحية في إطار القانون الإطار المتعلق بالإصلاح الجبائي الذي يرتكز على أسس عدة، من بينها توسيع الوعاء الضريبي وإرساء العدالة الجبائية”.
وفي المحصلة، شدد الخبير المالي والاقتصادي على “الأثر المتوقع بخلق جو من الارتياح عند شريحة مهمة من المواطنين”، مرتقبا “أثرا إيجابيا على نسبة النمو الاقتصادي إذا ما خصصت وتحولت الزيادات في المعاش إلى نفقات استهلاكية ونفقات تخدم دوران الأنشطة الاقتصادية المختلفة، وهذا مرتبط بالسلوك الاستهلاكي للمتقاعدين، الذي يجب أن يدعم لتفادي الاكتناز أو الاحتفاظ بقيمة الزيادة في المعاشات، رغم كونها زيادة غير مباشرة”.