جيل "Z" وجيل "Z-NEET"... - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
جيل
محمد ياسين محمدي*الأحد 12 أكتوبر 2025 - 21:54

وأنا أتجول بين غرف الدردشة على الخادم الرسمي لجيل “Z” عبر تطبيق Discord، وأتابع صفحات أخرى تمثل الحراك الشبابي على TikTok ومنصات التواصل الاجتماعي الحديثة 2.0، استوقفني تكرار كلمة “خدمات” بشكل لافت للانتباه. هذه المفردة لم تأتِ من فراغ، بل تبدو مؤشراً قوياً للحراك الاجتماعي الذي شهده المغرب خلال الأشهر الماضية. حراك انطلق من مسيرة آيت بوكماز في العالم الواقعي، قبل أن يمتد إلى دواوير أخرى، ثم جاءت فاجعة وفاة ثماني نساء حوامل في قسم الولادة بمستشفى الحسن الثاني بمدينة أكادير، لتنتقل الشرارة سريعاً إلى العالم الافتراضي أو الفضاء الرقمي، حيث وجدت في تطبيق Discord وغيره من المنصات الشبابية مجالاً للتوسع والنقاش.

لكن ما نعيشه اليوم ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج تراكمات طويلة من اختلالات مست قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والجماعات المحلية والمرافق الإدارية. هذه القطاعات تمثل نقطة التماس المباشر بين المواطن والإدارة، وهو تماس يشوبه أحياناً التوتر والاستهتار وعدم احترام القانون وسوء المعاملة وغياب الجدية التي لطالما نادى بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطبه.

أحد أبرز المؤشرات التي تستوقف المتتبع هي طريقة التعامل بين المسؤول عن المرفق المُقَدِّم للخدمة والمُرتفق، خصوصاً في حالات الشباب من جيل “Z” أو فئة “Z-NEET”، أي أولئك الذين لا يزاولون عملاً ولا يتابعون دراسة أو تكويناً مهنياً. هؤلاء الشباب، ومعهم نساء وشيوخ وشرائح اجتماعية أخرى، يجدون أنفسهم أحياناً في مواجهة تعامل غير لائق عند طلب خدمة إدارية أو صحية أو أمنية؛ موظف متجهم، ممرض فَظّ، حارس أمن متسلط، أو رجل سلطة يتجاوز صلاحياته. صور يومية كهذه تولد شعوراً بالظلم و”الحكرة”، وتدفع الكثيرين إلى الإحباط أو العزوف عن المشاركة الإيجابية في المجتمع، وربما إلى ردود فعل احتجاجية.

غير أن المسؤولية لا تقع على الإدارة وحدها. فالمجتمع نفسه يساهم أحياناً في تكريس الفوضى من خلال سلوكيات تناقض قيم المواطنة. الرشوة والوساطة للحصول على موعد أو خدمة، خرق قوانين المرور والركن العشوائي، الغش في التجارة أو في جودة العمل، وحتى تجاهل أبسط قواعد التضامن الإنساني مثل ترك مقعد مخصص للحوامل أو كبار السن أو ذوي الإعاقة، كلها ممارسات تغذي بدورها الإحساس بالظلم وتعمق الاحتقان. ومع تراكم هذه المظاهر، يتحول الانفعال الفردي إلى ثقافة جماعية يسهل تسييسها وتوجيهها، خاصة حينما تتوفر البيئة الرقمية القادرة على تضخيمها وتوسيع انتشارها.

في العمق، ما يطفو على السطح ليس فقط أزمة “خدمات عمومية”، بل أزمة “قيم” أيضاً. فقد تراجعت مكانة الأخلاق والانتماء وروح التعايش، وتراجع معها دور المدرسة والمسجد والأسرة في التأطير والاحتواء. وهنا تبرز تساؤلات ملحة: هل نحن أمام أزمة مواطنة حقيقية أم مجرد أزمة خدمات؟ وإلى أي حد ساهم منطق الفردانية والأنانية في إضعاف روح الانتماء الوطني؟ وكيف يمكن استعادة الثقة بين المواطن والإدارة؟

قد يكون الوقت قد حان لإعادة غرس مبادئ المواطنة في التعليم الأولي وفي السياسات الثقافية، على غرار ما قامت به دول رائدة مثل اليابان والصين. فالمغرب مقبل على احتضان تظاهرات عالمية كبرى، وهو بحاجة إلى الاستثمار في هذا الورش القيمي لصياغة صورة حضارية تليق بتاريخه العريق وتنوعه الثقافي، وتستفيد في الوقت نفسه من أدوات العصر الرقمي.

في النهاية، يظل السؤال مفتوحاً: كيف يمكن إصلاح الإدارة والمجتمع في آن واحد؟ وكيف ندمج فئة “Z-NEET” في النسيج الاجتماعي؟ وما السبل لإعادة الاعتبار للمعاملة الحسنة باعتبارها حجر الزاوية في علاقة المرتفق بالمرفق العمومي؟ لعل الإجابة تبدأ من الاعتراف بأننا جميعاً أبناء هذا الوطن، وأننا قد نكون اليوم في موقع تقديم الخدمة وغداً في موقع طلبها. فما يحتاجه المواطن في كثير من الأحيان لا يتجاوز ابتسامة صادقة أو معاملة تحفظ كرامته، لأن “المهم المعاملة.”

-خبير وباحث في قضايا الإعلام والتواصل

النشرة الإخبارية

اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدة هسبريس، لتصلك آخر الأخبار يوميا

اشترك

يرجى التحقق من البريد الإلكتروني

لإتمام عملية الاشتراك .. اتبع الخطوات المذكورة في البريد الإلكتروني لتأكيد الاشتراك.

لا يمكن إضافة هذا البريد الإلكتروني إلى هذه القائمة. الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني مختلف.

أخبار ذات صلة

0 تعليق