نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أيام الحسم قبل 25 يناير.. شهادات وذكريات يرويها مصطفى بكري «الحلقة 48» - بلس 48, اليوم السبت 9 أغسطس 2025 08:47 صباحاً
هذه ليست قصة حياة، بل شهادة حية على مرحلة تاريخية مهمة، عشت فصولها، انتصاراتها وانكساراتها، حلوها ومرها، اقتربت من صناع هذه الأحداث أحيانًا، وكنت ضحية لعنفوانهم في أحيان أخرى، معارك عديدة دخلتها، بعضها أودى بي إلى السجون، لم أنكسر، ولم أتراجع عن ثوابتي، وقناعاتي.
أروى هذه الشهادات بصدق وموضوعية، بعض شهودها أحياء، والبعض رحل إلى الدار الآخرة، لكن التاريخ ووقائعه لا تنسى، ولا يمكن القفز عليها، وتزوير أحداثها.
لقاء القرية الذكية
في التاسع عشر من يناير 2011، التقى عمر سليمان مع الرئيس مبارك على هامش اجتماعات القمة، وطلب عمر سليمان من الرئيس ضرورة عقد اجتماع على مستوى عالٍ لدراسة الأوضاع قبل حدوث تظاهرات 25 يناير، وهنا لم يكن أمام الرئيس سوى الاستجابة، إلا أنه طلب بعقد الاجتماع بحضور رئيس الوزراء والقيادات العليا بالدولة معتذرًا عن المشاركة فيه.

وبالفعل طلب الرئيس حسني مبارك من رئيس حكومته د.أحمد نظيف بعقد اجتماع لدراسة الأمر، وبالفعل في تمام الساعة الواحدة من ظهر 20 يناير، عقد رئيس الوزراء اجتماعًا بالقرية الذكية بالقاهرة بحضور المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع واللواء حبيب العادلي وزير الداخلية وأحمد أبو الغيط وزير الخارجية وأنس الفقي وزير الإعلام ود.طارق كامل وزير الاتصالات، وأيضًا اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات العامة.
وحذّر عمر سليمان في بداية هذا اللقاء من خطورة المظاهرات المتوقع حدوثها، وقال: «إن جهاز المخابرات العامة رصد استعدادات كبيرة ودعم خارجي متوقع وتحركات واتصالات بين جماعة الإخوان وأطراف إقليمية ودولية، وأن ذلك يوجب اتخاذ إجراءات سريعة لإجهاض هذه المظاهرات قبل حدوثها».
وعلق اللواء حبيب العادلي وزير الداخلية بالقول: «إن هناك استعدادات تجرى بالفعل، وأن هناك حشدا للجماهير على مواقع التواصل الاجتماعي، وأنه سيتم التعامل مع المظاهرات المتوقعة بالأساليب العادية في حال خروج المظاهرات عن سلميتها، إلا أنه أكد أن المظاهرات المتوقعة لن تختلف كثيرًا عن الاحتجاجات التي شهدتها البلاد لفترة طويلة».
ودار حوار طويل بين المشاركين، حتى انتهى الأمر إلى تشكيل غرفة عمليات يكون عملها لمدة 24 ساعة يوميًا طيلة فترة الأحداث، وتجتمع بمبنى سنترال رمسيس ويشارك فيها جهاز مباحث أمن الدولة وقطاع الشئون الفنية بوزارة الداخلية وإدارة المخابرات الحربية وسلاح الإشارة بالقوات المسلحة ووزارة الإعلام ووزارة الاتصالات من خلال الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات.
وقد تم الاتفاق في هذا الاجتماع على تفعيل المادة (67) من القانون رقم (10) لسنة 2003 بما يشمل قطع خدمات الاتصالات للمحمول في مواقع مختلفة بأنحاء البلاد في حال تدهور الأوضاع، وهو ما ترتب عليه بعد ذلك قيام وزير الداخلية حبيب العادلي بإصدار تعليماته بقطع خدمات المحمول عن ميدان التحرير من بعد ظهر الثلاثاء 25 يناير حتى صباح الأربعاء 26 يناير، ثم إصدار قرار بقطع خدمات الاتصالات اعتبارًا من صباح الجمعة 28 يناير ولمدة يوم واحد في محافظات القاهرة الكبرى والإسكندرية والسويس والغربية، ثم عودته مرة أخرى وإصدار قرار بقطع الخدمات كاملة.
لقد انتهى اجتماع القرية الذكية إلى اتخاذ عدد من التوصيات التى تستهدف تحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية فى البلاد، ووعد رئيس الوزراء أحمد نظيف برفعها إلى الرئيس مبارك لاتخاذ القرارات اللازمة.

الإخوان يستعدون
كانت عمليات الحشد تجري على قدم وساق، وكانت قناة الجزيرة تمهد الطريق لدعوة الجماهير للنزول إلى الشارع ومواجهة الشرطة المصرية، بعد أن أعدت فيلمًا وثائقيًا من حلقتين بعنوان «وراء الشمس» يرصد بعض تجاوزات الشرطة تجاه بعض المجرمين جنائيًا، باعتبار أن ذلك هو النهج الذى تستخدمه الشرطة ضد كافة فئات المجتمع.
في هذا الوقت رصد جهاز مباحث أمن الدولة اتصالات جرت بين محمد مرسي عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان، وبين أحمد عبد العاطي مسئول فرع التنظيم الدولى للإخوان في تركيا.
لقد جرت المكالمة بينهما في الساعة الحادية عشرة وثلاث وأربعين دقيقة من مساء يوم الجمعة الحادي والعشرين من يناير 2011، إذ تضمنت المكالمة تفاصيل اللقاءات التى جرت بين أحمد عبد العاطى وبين بعض مسئولى الاستخبارات الأمريكية في تركيا، ولقاءات محمد مرسي مع أحد عناصر هذا الجهاز في مصر، حيث دار الحوار حول مشاركة جماعة الإخوان في المظاهرات المتوقعة، لتنفيذ مخطط إسقاط الدولة المتفق عليه فى وقت سابق.
في هذا الوقت كانت الاستعدادات تجرى على قدم وساق لاحتفالات الشرطة بعيدها في الثالث والعشرين من يناير 2011، على عكس الموعد المحدد سنويًا وهو الخامس والعشرين من يناير، وفى هذا الاحتفال كان وزير الداخلية حبيب العادلي يتحدث بلغة الواثق والقادر، خاصة بعد أن أعلن أن الجهات القضائية تمكنت من القبض على العناصر المتطرفة التي كانت وراء الهجوم على كنيسة «القديسيين»، وقال: إن العناصر المقبوض عليها تنتمي إلى «تنظيم القاعدة».
وجاء خطاب الرئيس حسني مبارك في هذا الاجتماع محذرًا من خطورة تهديد أمن البلاد وسلامتها، ووجه الاتهامات لقوى خارجية وداخلية بالتآمر على البلاد، إلا أنه لم يقدم جديدًا أو يعد بإصلاحات حقيقية وفورية، وهو أمر استفز قطاعات كبيرة من الشعب المصري التي كانت ساخطة على الأوضاع وعلى الأحوال المعيشية.
خلافات أمنية
كان من الملاحظ في هذا الاجتماع أن هناك جفوة كبيرة بين المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع وبين حبيب العادلي وزير الداخلية، كان للمشير تحفظات على بعض مواقف حبيب العادلي وانجراف الرئيس خلفه بدون حسابات دقيقة، وكان المشير يرى أن هذه السياسة حتمًا ستقود البلاد إلى منحنيات خطيرة.
ولوحظ أن المشير كان مترددًا في الدخول إلى صالة الطعام التى أقامها الوزير لضيوف الاحتفال، إلا أنه اضطر للذهاب بعد أن تقدم إليه مندوب المراسم لدعوته.
وعلى مائدة الطعام دار حوار بين الرئيس مبارك ووزير الداخلية حبيب العادلى حول توقعات ما سيجرى فى الخامس والعشرين من يناير، إلا أن حبيب العادلى طمأنه بأن كل شىء تمام.
وبعد انتهاء الاحتفالات، مضى اللواء عمر سليمان إلى مكتبه فى المخابرات العامة، وكان القلق لا يزال يعتريه من الأحداث المتوقعة، طلب من مدير مكتبه اللواء أحمد سليمان أن يتصل بوزير الداخلية لأنه يريد أن يحادثه، وبعد قليل كان حبيب العادلى على الخط.
ودار حوار بين الطرفين حول التوقعات، وإمكانية مشاركة الإخوان فى الأحداث واتصالاتهم بالأمريكان، وفى نهاية الاجتماع وجه اللواء عمر سليمان الدعوة لعقد اجتماع ثلاثى معه ومع المشير طنطاوى لدراسة الوضع الأمنى بشكل أعمق، إلا أن حبيب العادلى تحجج بأن لديه التزامات لن تمكنه من حضور هذا الاجتماع فى الوقت المقترح، مما أثار اللواء عمر سليمان الذى أدرك أن حبيب العادلي أصابه الغرور حتى وصل به الحال إلى رفض عقد هذا الاجتماع الثلاثي لبحث التطورات الخطيرة والمتوقعة في البلاد.

بعدها أجرى اللواء عمر سليمان اتصالًا بالمشير حسين طنطاوي واشتكى له من موقف وزير الداخلية حبيب العادلي، واتفق الطرفان على عقد الاجتماع وحدهما في ذات اليوم.
وبالفعل التقى عمر سليمان ووزير الدفاع، في اجتماع مطول مساء ذات اليوم، وكان أكثر ما يخيفهما هو الثقة الزائدة لوزير الداخلية حبيب العادلي وانجراف الرئيس مبارك لكل كلمة يقولها الوزير دون محاولة الاستماع لآراء الآخرين.
استنفار أمني
وفى اليوم التالي 24 يناير، دعا وزير الداخلية حبيب العادلي إلى عقد اجتماع مع كبار مساعديه بمقر جهاز مباحث أمن الدولة في مدينة السادس من أكتوبر، حيث يسكن الوزير في منطقة قريبة منه، وقد حضر الاجتماع كل من اللواء حسن عبد الرحمن مساعد أول الوزير لقطاع أمن الدولة واللواء عدلي فايد مساعد أول الوزير للأمن العام واللواء أحمد رمزي مساعد أول الوزير للأمن المركزي واللواء إسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة واللواء أسامة المراسي مدير أمن الجيزة، حيث دار الحوار حول الاستعدادات الأخيرة لمواجهة المظاهرات المتوقعة في 25 يناير.
لم يستمر هذا الاجتماع أكثر من نصف ساعة فقط، حيث أبلغهم اللواء حبيب العادلي أن المظاهرات لن تقتصر على القاهرة والجيزة وحدهما وإنما ستمتد إلى عدد من المحافظات الأخرى، وطلب منهم ضبط النفس وعدم إظهار أي وجه للقوة أو الضعف، كما طلب من اللواء أحمد رمزي قائد قوات الأمن المركزي إبعاد مركبات الأمن عن أماكن التظاهر، وقال: إذا خرجت التظاهرات عن سلميتها فيجب فقط استخدام خراطيم المياه وقنابل الغاز دون غيرهما.
في هذا الوقت كان اللواء حسن عبد الرحمن مساعد أول الوزير لقطاع مباحث أمن الدولة يرصد تحركات المجموعات والقوى والأحزاب السياسية تجاه المظاهرات المتوقعة، وفي ذات اليوم أرسل مذكرة عاجلة إلى اللواء عدلي فايد مساعد أول الوزير لقطاعي الأمن والأمن العام حملت رقم إصدار (4) لسنة 2011 قال فيها حرفيًا: «إن جهات المتابعة رصدت إطلاق ممثلي القوى السياسية المناهضة العديد من الدعوات على شبكة الإنترنت لتنظيم فعاليات احتجاجية بتاريخ 25 يناير 2011 بدعوى تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين وتفشى البطالة والفقر والفساد».
وأكدت المذكرة التي دونت بعنوان «سري جدًا»: «أن متزعمى التحركات اتفقوا فيما بينهم على التحرك في مجموعات صغيرة تضم كل مجموعة حوالي (10) أشخاص أو أكثر كما تبدأ من مكان قريب لمكان التحرك».
وقال المذكرة: «إن هناك سعيًا لحشد أبناء الطائفة المسيحية والفتيات والسيدات للمشاركة فى تحجيم المواجهات الأمنية، وكذلك الحال فقد جرى التنسيق مع بعض الصحفيين والإعلاميين لتغطية وقائع هذه التحركات».
وأشارت المذكرة إلى وجود توجه لدى بعض العناصر الراغبة في التصعيد والإثارة للاحتكاك بالقوات واستفزازهم ودفعهم للإقدام على تصرفات غير مسئولة تجاه المظاهرة لإثارة الرأي العام الشعبي ضد الحكومة ودفع المواطنين للتعاطف معهم.
وطالبت المذكرة المسئول الأول عن الأمن بضرورة التحرك واتخاذ ما يراه مناسبًا من إجراءات في هذا الشأن.
وفى اليوم نفسه أرسل اللواء حسن عبد الرحمن بمذكرة أخرى إلى اللواء عدلي فايد حملت رقم (22) بتاريخ 24/1/2011، تضمنت قيام جهاز مباحث أمن الدولة برصد بعض النشطاء الحقوقيين والإسلاميين بتنظيم وإعداد وقفة احتجاجية يوم 28 يناير القادم، عقب صلاة الجمعة أمام مسجد الفتح بميدان رمسيس لمطالبة الكنيسة المصرية بإطلاق سراح من أسموهم بالمسلمات «الأسيرات».
كانت كافة التقارير تشير إلى أن البلاد أمام أحداث غير عادية، وأن المخطط ليس داخليًا فحسب، بل إن له امتداداته الخارجية، وأن هناك محاولة من مجموعات الشباب التي تم تدريبها فى الخارج على حرب «اللا عنف» ومعهم شباب الإخوان وبعض الحركات الاحتجاجية (كفاية وغيرها) ومنظمات المجتمع المدني (الممولة) من الخارج، لإثارة الأوضاع في البلاد واستخدام العنف ضد مؤسسات الدولة المصرية، وأن هذه التحركات لن تقتصر فقط على يوم الخامس والعشرين من يناير.
كانت كافة مؤسسات الدولة في حالة ترقب وقلق، فقط وحده الرئيس مبارك الذي لم يكن على ثقة بأن هذه التحركات قد تمتد إلى موجات عنف وتظاهر أشد، وهو ما أكدت عكسه الأيام التالية.
وينشر موقع «الجمهور» يوم الجمعة من كل أسبوع، شهادة الكاتب والبرلماني مصطفى بكري عن أزمات وأحداث كان شاهدًا عليها، خلال فترات حكم الرئيس السادات والرئيس مبارك والمشير طنطاوي ومرسي والرئيس السيسي.
اقرأ أيضاًشهادات وذكريات يرويها مصطفى بكري.. الطريق إلى 25 يناير «الحلقة 47»
معارك مع البرادعي.. شهادات وذكريات يرويها مصطفى بكري «الحلقة 44»
كلمة السر «أكاديمية التغيير».. شهادات وذكريات يرويها مصطفى بكري «الحلقة 43»
0 تعليق