بالبلدي : شرفة سويدية على النيل - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عندما كنت رئيسا لتحرير موقع الحضارات أول موقع ثقافى لمؤسسة الأهرام، 2015-2017، سعدت باستضافة الكاتبة السويدية، "آن إيديلستام"، بمناسبة صدور الترجمة العربية لرواياتها البديعة "ثلاث سويديات في القاهرة"، وهى رواية بديعة ترصد فيها، التحولات المختلفة الجذرية والحادة والمؤثرة النتائج التي شهدها المجتمع المصري، منذ 1926 وحتى 2011 م، من خلال ثلاث سويديات عشن في القاهرة بداية من من الجدة "هيلدا" التي أتت القاهرة عام 1926 لتتزوج من حبيبها طورشتين الذى كان يعمل قاضيا في المحاكم المختلطة، ثم ابنتهما "أنجريد" التي عاشت طفولتها وشبابها في القاهرة حتى عام 1952م، ثم غادرت للسويد لتتزوج من الدبلوماسي "أكسيل إيديلستام"، لتعود فيما بعد معه بعد أن تم تعيينه سفيرا للسويد بالقاهرة، ثم ابنتهما الحفيدة آن وهى المؤلفة ذاتها.

بعد الندوة التى عقدها الموقع لمناقشة الرواية، لاحظت "آن" اندهاشى من قدم التواجد السويدى فى مصر، وهوما قادنى فيما بعد لتتبع التاريخ الفردى أو التاريخ السويدى غير الحكومى فى مصر، إلى أن وصلت فيما وصلت إليه إلى "كارل فون جربر" السويدى الملقب بعاشق الإسكندرية، والذى أتى إليها كرجل أعمال يعمل فى مجال الأخشاب، فأنشأ بها مصنع للأخشاب والمناشر، ووكالة للشحن، كما كان صاحب توكيل أول بوتاجاز للغاز فى مصر، وكان نموذجا لرجال أعمال حقيقى ومؤثر فى المجتمع السكندرى والمصرى، إذ أنشأ العديد من المصانع المنتجة، ودرب الأيدى العاملة بها، وساعد فى تخريج مهنسين كثر، مع اهتمام بالغ بالنواحى الإنسانية للعاملين معه، خاصة فيما يتعلق بالرعاية الصحية، وفيما يتعلق بالإسهام المجتمعى لدرجة أن ذلك الرجل السويدى المسيحى، أنشأ معهدا لتحفيظ القرآن للفتيات الكفيفات.

كل هذا مر بخاطرى، قبل أن أدخل السفارة السويدية بالقاهرة، التى استضافت مع مجلس التجارة والاستثمار السويدي في مجال الأعمال، مؤتمر شراكة الرعاية الصحية السويدية المصرية، بمناسبة زيارة قام بها اتحاد سويدي لاستكشاف التعاون الموسع مع مصر في القطاع الصحي، ورغم أن هذا الملف بعيد عن اهتماماتى الصحفية-أو كان كذلك - ورغم أننى كنت عائدا فى نفس اليوم من رحلة آسيوية مرهقة على قدر امتاعها، إلا أننى ذهبت، وذهبت أولا لأننى أحب السفارة بمبناها الهادئ الأنيق البسيط، الذى يختلف عن مبان سفارات كثر، تخبئ وراءها غير ما تظهر، وأحب حديقتها المريحة المرحبة، بشجرات المانجو ومنهن اثنتين على جانبين، تشكلان حضنا فى الهواء، وبعض شجيرات الجهنمية التى تزهر قليلا من الأحمر، لأنه فيما يبدو يسقونها أسبوعيا، والجهنميات تحتاج قليل الماء لتزهر أزهارها الملونة، بدلا من أوراقها الخضر الرائعة فى حد ذاتها، ثم شجيرات النخيل التى تكاد تناجى صفحة النيل، ثم والأهم النيل ذاته، فلا سور مانع وعائق بين السفارة والنيل، إنما بعض أحجار مصفوفة ببساطة، تجعل منها شرفة سويدية على نيل القاهرة الساحر، وهو السحر الذى أحب إطالة النظر إليه كلما ذهبت للسفارة، فكلما دخلت السفارة، قد أفوت بعض قواعد البروتوكول، وأتوجه مباشرة لتلك الشرفة الحجرية، محييا النيل من سفارة السويد، حتى أن السفيرة الأسبق للسويد بالقاهرة "شارلوتا سبار" كانت تقول لى مازحة: "أنت لا تأتى إلى هنا لمتابعة فعاليات السفارة، إنما تأتى لمتابعة انعكاس الأنوار والأضواء على صفحة النيل"، فكنت أرد مازحا: "قالوا أنك تجلسين هنا أكثر مما تجلسين فى مكتبك".

كانت السفيرة "شارلوتا سبار"محبة لمصر، خاصة فى تعبيرها عن موقف بلادها من ثورة يونيو المجيدة، وكانت مثيرة للمرح، فنسب إليها استغرابها من إصرار المصريين على أن على يجعلوا سياراتهم ترتدى البيجامات، فى إشارة منها لغطاء السيارات عندنا، كما كانت بالنسبة للبعض، مثيرة للجدل، أما السفير الحالى هاكان إمسجارد، فهو مثير للإحترام وللتقدير وللإعجاب فى آن، وهذا ما شعرت به، مذ بداية كلمته، فى افتتاح مؤتمر الشراكة السويدية المصرية فى مجال الرعاية الصحية، وقد تأكد الاحترام والتقدير والإعجاب، حين راجعت بعض نشاطات السفير منذ مجيئه للقاهرة، وحين راجعت بعض الملحوظات التى دونتها فى دفترى، عن الفعاليات التى حضرتها فى السفارة.

السفير السويدى فى القاهرة، لابد أن يكون سياسيا محنكا بالطبع، ودبلوماسيا مخضرما بالضرورة، وهذا أبسط ما فى تكوين السيد إمسجارد، لكنه بدا لى رجلا عمليا، لديه أهداف وأولويات محددة فى خطة عمله بالقاهرة، وهى أهداف وأولويات تسعدنا، خاصة وفيما أظن أن ملف الرعاية الصحية يتصدرها، ويحظى باهتمام بالغ منه على سبيل المثال: قام وفد من الحكومة السويدية، برزيارة المنشآت الصحية بجنوب سيناء، فى مارس من العام الماضى وفى ديسمبر 2022 زار السفير مشروع التأمين الصحى، لمتابعة نتائج زيارة وفد التأمين الصحى للسويد، للتعرف على نظام الرعاية الصحية، وإلى جانب ذلك وقع السفير عددا من البروتوكلات فى نفس الشأن، إلى جانب ورش عمل متعددة ومتراتبة فيما يخص الرعاية الصحية.

وأستطيع أن أسرد مزيد ن اللقاءات والنشاطات والفاعليات، التى يقوم بها السفير إسمجارد فى هذا الشأن، وكلها تؤكد أنه يعتبر أن توفير وتطوير الرعاية الصحية هدفا هاما بالنسبة له سفيرا وإنسانا، والذى قال فى المؤتمر: "إن أوجه التآزر بين حلول الرعاية الصحية المتطورة في السويد ومبادرات إصلاح الرعاية الصحية في مصر واضحة، فالشركات السويدية مجهزة تجهيزا جيدا لدعم مصر في جهودها الإصلاحية، وتتماشى خبراتها تمامًا مع مبادرات مصر لتحسين البنية التحتية للمستشفيات وتعزيز تقديم الرعاية الصحية، وخلق فرص كبيرة للتعاون في تقديم الخدمات وتبادل الخبرات على حد سواء".

وعادة ما أنظر إلى الكلمات المؤتمرية، على أنها كلمات بروتوكولية، لكن ما سمعته من السفير ثم ماراجعته من نشاطاته، وما تحقق فعلا فى تلك الشراكة، جعلنى مرة أخرى ان الرجل جاء لمصر ليفعل ويؤثر خاصة فى مجال الرعاية الصحية. وهو ما جعلنى أفكر عما إذا كان السيد "إمسجارد" يعرف أو سمع عن السيدة "هيلدا" جدة آن التى عاشت فى مصر فى عشرينيات القرن الماضى، والتى غادرت مصر مؤقتا لتضع مولودتها إنجريد فى السويد، لأنها لم تكن مطمئنة للرعاية الصحية فى مصر. ربما!!رغم أن مصر كانت متقدمة طبيا، لدرجة أن أوربيين وآسيويين كانوا يأتون للقاهرة لتعلم الطب.

لندع الماضي للماضي، وخلينا في الحاضر والمستقبل، وكما قال نائب رئيس الوزراء وزير الصحة والسكان د.خالد عبد الغفار في المؤتمر: إن التاريخ بدأ على ضفاف هذا النيل، والمستقبل سيبدأ من هنا، وعلى قدر إعجابي ببلاغة الجملة وثقتها، على قدر إعجابي بالوزير الذى أعطانا في دقائق معدودة، رؤية واضحة لملف الرعاية الصحية، ومشاكله وحلوله والإنجازات التي تحققت، والآمال العريضة التي يجب أن تتحقق.

الوزير كان يتحدث بلغة إنجليزية سلسة، وهذا أمر بديهي من طبيب وأستاذ وعميد جامعي، له تاريخه المهني والأكاديمي الذى سبق مسئوليته الوزارية، لكنى أقصد بالسلاسة، سلاسة الوصول بالملف لأى متابع مهما كانت ثقافته ودرجة وعيه، وهذا لا يأتي إلا من مسئول مدرك فعلا بأنه مسئول عن صحة أمة ومستقبل عافية لأجيال من شعبها، لا يمكن أن تحقق عافية لوطن إلا بعافية صحية في مختلف المجالات، في إطار عافية حضارية، حضارة أمة ظهر فيها أول طبيب ومهندس في العالم، السيد إمحوتب.

قال الدكتور خالد عبد الغفار و هو يشير للنيل: "التاريخ بدأ من هنا، والمستقبل سيبدأ من هنا".

وبعد نهاية المؤتمر، وجدت أن السويد شريك فى مستقبلنا، أو يجب ان تكون كذلك.

ملحوظة:

لربما فكرت في لحظة، أن أعنون هذا المقال بـ "سر العلاقة بين السفير السويدي والسيدة هيلدا"، ومثل هذا العنوان قد يغرى كثيرين بالقراءة بحثا عما يحب كثيرون البحث عنه، لكنني تراجعت لأنني لا أحب نتائج تفكير اللحظة، حتى لو كانت جاذبة.

وفكرت أن أعنونه بـ"الشراكة السويدية- المصرية في مجال الرعاية الصحية"، لكنني أعرف أن كثيرين لن يقرأوا، عن مثل هذى الأمور الجادة، رغم أنها ألصق بحياتهم، بل وقد تغير من درجتها ونوعيتها، كما تعطى ولو فكرة بسيطة عن مجهودات الدولة في ملف هام كملف الصحة المصرية، لكن البعض يجرون وراء الترند، والترند عندنا خال مما يهمنا.

أحمد خالد يصدر روايته الجديدة «الكلمة الواحدة والثلاثون»

إخلاء مسؤولية إن موقع بالبلدي يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
"جميع الحقوق محفوظة لأصحابها"

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق