«توافق كوالالمبور».. هدنة اقتصادية بين واشنطن وبكين تُعيد رسم خريطة التجارة العالمية - بلس 48

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يمثل الإطار التوافقي الذي جرى التوصل إليه مؤخرًا بين كبار المسؤولين الاقتصاديين للولايات المتحدة والصين في كوالالمبور، نقطة تحول محتملة في مسار العلاقات التجارية الأكثر توتراً في القرن الحادي والعشرين

ملامح الصفقة المنتظرة: تراجع التصعيد وتبادل التنازلات

فبعد أشهر من التصعيد المتبادل وتهديدات بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الواردات الصينية وقيود على تصدير المعادن النادرة، يبدو أن الطرفين قد توصلا إلى أرضية مشتركة تمهّد لعقد صفقة شاملة بين الرئيسين دونالد ترامب وشي جين بينغ خلال قمة كوريا الجنوبية المقبلة.

897.png
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب - الرئيس الصيني شي جين بينغ

هذا التفاهم الأولي، رغم الحذر الصيني المعلن، أطلق موجة من التفاؤل في الأسواق العالمية، التي طالما بحثت عن اليقين والاستقرار في سلاسل الإمداد وسط عالم مثقل بالاضطرابات الاقتصادية والجيوسياسية

وبحسب تقرير لشبكة "سي إن بي سي"، فإن الاجتماعات التي عُقدت على هامش قمة آسيان في كوالالمبور أفضت إلى تفاهمات مهمة، منها تعليق الرسوم العقابية المتبادلة وتأجيل تطبيق القيود الصينية على المعادن النادرة لمدة عام كامل، مقابل استئناف الصين عمليات شراء فول الصويا الأمريكي وتمديد هدنة الرسوم الجمركية حتى نوفمبر المقبل.

ومن جانبة صرّح وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت بأن المحادثات “أزالت خطر اندلاع موجة جديدة من الحرب التجارية”، مؤكدًا أن ترامب أبدى استعدادًا للتهدئة، بينما تحرص الصين على “تثبيت التوازن دون التنازل عن سيادتها الاقتصادية”.

وفي المقابل، أكد كبير المفاوضين الصينيين لي تشنغ قانغ أن المباحثات كانت “مكثفة للغاية”، مشيرًا إلى أن “الموقف الأمريكي كان حازمًا، لكن الصين حافظت على ثوابتها الدفاعية”.

اتفاق مبدئي يُطمئن الأسواق العالمية

وكشفت وكالة بلومبرغ أن الجانبين توصلا إلى توافق أولي حول ملفات حساسة تشمل ضوابط التصدير، وتعاملات المعادن النادرة، والفنتانيل، ورسوم الشحن البحري.

وأكد الممثل التجاري الأمريكي جيميسون جرير أن “تجنب فرض قيود على المعادن النادرة كان أحد الأهداف الرئيسية للمحادثات”، لافتًا إلى تقدم “ممتاز” في هذا المسار.

وتزامنًا مع هذه التطورات، شهدت الأسواق المالية ارتفاعات ملحوظة في آسيا وأوروبا والولايات المتحدة، إذ استقبل المستثمرون ما يُعرف بـ “توافق كوالالمبور” كإشارة على انحسار التصعيد التجاري وعودة الثقة في حركة التجارة العالمية

الخبراء: كوالالمبور محطة تهدئة لا نهاية الحرب

ومن جانبة يرى الخبير الاقتصادي حسين القمزي أن هذا التفاهم المبدئي يمثل “هدنة استراتيجية أكثر من كونه اتفاق سلام تجاري شامل”، مضيفًا أن كوالالمبور “أوقفت مؤقتًا حرب الرسوم، لكنها لم تُنهِ الصراع البنيوي على النفوذ الاقتصادي العالمي”.

وأوضح القمزي أن كلا الزعيمين يواجهان ضغوطًا داخلية؛ فترامب يسعى إلى استقرار الأسواق قبل الانتخابات النصفية، بينما يعمل شي على تهدئة تباطؤ الاقتصاد المحلي واستعادة ثقة المستثمرين

وأضاف: “إنه اتفاق لإدارة الصراع لا لإنهائه، يتيح للطرفين التقاط الأنفاس قبل الجولة القادمة.”

هدنة تحفظ التوازن العالمي

ويشير القمزي إلى أن الاتفاق “أنقذ سلاسل الإمداد العالمية من أزمة وشيكة”، خصوصًا في قطاعات الرقائق الإلكترونية والسيارات الكهربائية التي تعتمد على المعادن الصينية، لكنه في الوقت نفسه “كرّس نموذج الاتفاقات الثنائية بدل الالتزام بقواعد منظمة التجارة العالمية”، مما قد يضعف النظام التجاري متعدد الأطراف في المدى الطويل.

ويضيف: “لقد أعاد التفاهم الثقة مؤقتًا للأسواق، لكنه لا يعيد الانفتاح الكامل، بل يُعيد توزيع المصالح وفق معادلة جديدة: المعادن مقابل التكنولوجيا، والمكاسب السياسية مقابل التنازلات المرحلية”.

الشبشيري: "براغماتية" تحكم الميدان

وفي ذات السياق ، يرى الخبير الاقتصادي الدكتور محمد جميل الشبشيري أن ما يجري ليس نهاية حرب، بل “استراحة محارب”، مشيرًا إلى أن لغة التهديد بين واشنطن وبكين تحولت إلى “براغماتية هادئة”.

ويقول: “لقد أدرك الطرفان أن الاستمرار في المواجهة المفتوحة مكلف للغاية، وأن العقلانية الاقتصادية باتت السبيل الوحيد لحماية مصالحهما المشتركة.”

ويضيف الشبشيري أن تنازلات الجانبين – من تراجع ترامب عن رسوم الـ100% إلى تأجيل الصين قيود المعادن – تعكس واقعية جديدة في إدارة المنافسة الاقتصادية، لكنها أيضًا محاولة لتجميد الصراع لا لإنهائه

البعد السياسي: الاقتصاد في خدمة الانتخابات

ويُجمع الخبراء على أن البعد السياسي حاضر بقوة في هذا الاتفاق.

فبالنسبة لترامب، يشكل التفاهم مع الصين انتصارًا انتخابيًا يسوقه للناخبين، خصوصًا المزارعين المتضررين من تجميد صادرات فول الصويا.

أما شي جين بينغ، فيرغب في ترسيخ صورة الصين كقوة مسؤولة تسعى لاستقرار الاقتصاد العالمي في وقت تتراجع فيه مؤشرات النمو الداخلي.

لكن رغم التفاؤل، تبقى الملفات الشائكة مثل حقوق الملكية الفكرية، وأمن التطبيقات التكنولوجية، ومستقبل تايوان قنابل موقوتة قد تعيد إشعال التوتر في أي لحظة.

بين هدنة المصالح وصراع الهيمنة

ختامًا، يمكن القول إن توافق كوالالمبور ليس نهاية الحرب التجارية، بل مرحلة جديدة من إدارتها بعقلانية.

فواشنطن وبكين اكتشفتا حدود التصعيد، لكن جذور التنافس الاستراتيجي لا تزال قائمة، إذ يسعى كل طرف لإعادة رسم موازين القوة في النظام الاقتصادي العالمي القادم.

وبينما تتنفس الأسواق الصعداء مؤقتًا، يدرك العالم أن “سلام كوالالمبور” هو سلام هش، قابل للانفجار مع أول شرارة خلاف جديدة، في مشهد اقتصادي يعيد كتابة قواعد العولمة وفق منطق المصالح لا المبادئ، والتفاهم المرحلي لا الثقة الدائمة

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق