أعطاب نفسية واجتماعية تفرز التخريب على هامش "خرجات Z" بالمغرب - بلس 48

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في خضم الهتافات السلمية المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية خلال احتجاجات “جيل زد”، انبعثت مشاهد دخيلة ومقلقة: أعمال شغب وتخريب قام تضم قاصرين، كادت أن تشوه جوهر المبادرة، وهذا التناقض الصارخ بين السلمية والعنف فتح الباب على مصراعيه أمام سؤال أعمق من الإدانة: ما هي الدوافع النفسية والاجتماعية التي تدفع بهؤلاء المراهقين إلى حافة العنف؟

يفسر مختصون في علم النفس الاجتماعي هذه الانفلاتات بمزيج معقد من العوامل، تبدأ بسيكولوجية الحشود التي تذيب المسؤولية الفردية وتجعل الانفعالات معدية، ويتغذى هذا السلوك من إحباط متراكم وشعور بالتهميش يدفع البعض إلى استخدام العنف كلغة لإثبات الوجود، بالإضافة إلى محاكاة لا واعية لمشاهد التخريب في احتجاجات عالمية، خاصة في ظل غياب التأطير والتوجيه.

بشرى المرابطي، اختصاصية نفسية باحثة في علم النفس الاجتماعي، قالت: “حينما يتواجد المراهقون في جماعة (La foulle)، أي الحشد أو التجمهر، فإن هذا الحشد في ذاته تكون له تأثيراته على الفرد على المستوى الانفعالي والذهني؛ إذ إن المشاعر والانفعالات هي التي تؤثر في الفرد وتوجهه وفق التوجه العام للحشد. بمعنى أن الهوية الفردية تلغى لصالح الهوية الجماعية”.

وأضافت المرابطي، ضمن تصريح لهسبريس، أن “مطالب الشباب كانت واضحة، والتظاهرات السلمية كانت تطالب بالكرامة، بإسقاط الفساد، بإصلاح التعليم، وبالحق في التعليم والصحة والشغل والعدالة الاجتماعية.

لكن خلال هذه المسيرة كانت هناك بعض الانفلاتات التي صدرت عن البعض، والتي انتقدها بيان حركة زد”، وشرحت أسباب هذه الانفلاتات قائلة بكون “هؤلاء القاصرين حينما يطّلعون عبر وسائل التواصل الاجتماعي على مجموعة من المسيرات والتظاهرات الشبابية في العالم، كان آخرها في إحدى بلدان أمريكا الجنوبية، وكذلك في فرنسا في السنة الماضية وغيرها من البلدان، فإنهم حينما يشاهدون تلك المشاهد من التخريب والإحراق، يستحضرونها بشكل لا واعٍ خلال مشاركتهم في مثل هذه الحشود”.

وتابعت بأن “العالم أصبح بين أيديهم من خلال الهاتف الذكي، وتراكم تلك السلوكيات في أذهانهم ولا وعيهم يجعلهم يعيدون إنتاجها، خاصة في غياب التأطير والقيادة لهذه المسيرة، وغياب التوجيه من طرف الكبار، فيسلكون هذا المسلك”.

كما شددت على أن “هذه السلوكيات هي أيضا محاولة للتعبير عن الذات؛ إذ نلاحظ أن الشباب المتعلمين الحاصلين على شهادة وينتمون إلى طبقة مثقفة لم يسلكوا مثل هذه السلوكيات، لأن الأسرة والفضاء العام اللذين جاؤوا منهما عملا على تأطيرهم وتوجيههم، بينما شباب آخرون يفتقدون لهذه الخصائص لم يجدوا سوى تقليد ما شاهدوه في تجارب أخرى، ولم يتمكنوا من ممارسة النقد تجاهها”.

وفي ردها عن سؤال تعميم هذه السلوكيات على حركة “زد”، قالت المرابطي: “من الناحية العقلية لا يمكن. والدليل على ذلك أن هؤلاء كانوا أذكياء جدا حينما وجهوا رسالة إلى جلالة الملك، عبّروا من خلالها عن فقدانهم الثقة في كل المؤسسات الرسمية والكلاسيكية القائمة، سواء كانت أحزابا أو جمعيات أو نقابات أو ما يسمى مؤسسات الوساطة. لقد فقدوا الثقة فيها ولديهم انتقادات كثيرة تجاهها، لكنهم مع ذلك وجهوا رسالتهم إلى الملك بصفته رئيس الدولة وقائد الوطن”.

وأضافت الباحثة في علم النفس الاجتماعي قائلة: “هذا دليل على وطنيتهم وأنهم يتحدثون كمواطنين يطالبون بحقوقهم، ولا يمكن إسقاط الوطنية عنهم، كما لا يمكن أن تُعمم تصرفات بعض القاصرين على الحركة ككل، أو أن تسلبها مشروعيتها. بل ينبغي الانتباه إلى أن هذه الحركة في ذاتها تعبّر عن حالة صحية نفسية متوازنة، لأنه أمام الإحباط الذي قد يؤدي إلى اليأس والتذمر والانغلاق والانسداد والاكتئاب، اختار هؤلاء التعبير عبر هذه المسيرة”.

وختمت المرابطي بأنها تعتبر أن “الحركة حالة صحية ونفسية متوازنة، شابتها بعض الاختلالات شأنها شأن كل الحركات الاحتجاجية في العالم. ومن ثم، لا ينبغي أن نعمم السلوك السلبي على الحركة، بل علينا كمتخصصين وإعلاميين وفاعلين في المجتمع أن نعيد النظر في قراءة هؤلاء الشباب. فقد كنا ننظر إليهم على أنهم شباب ضائعون، لا يهتمون إلا بلباس الهيب هوب أو مظاهر سطحية، لكنهم اليوم أثبتوا أنهم شباب واعون، يقظون، يريدون حقوقهم ويمارسون مواطنتهم بشكل سلمي”.

من جهتها، ترى الاختصاصية النفسية ريم عكراش أن “الشغب الذي نراه في الشارع هو في العديد من الأحيان انعكاس لعنف يعيشه هؤلاء الشباب في حياتهم اليومية. هو لغة بحد ذاتها لفئة تشعر في كثير من الأحيان بالتهميش. وهذا التهميش أيضا عنف من شكل آخر، غير مرئي، وبلا أفق واضح. في سياق فيه البطالة مثلا، وغياب العدالة، وقلة الإصغاء، يتحول الإحباط إلى انفجار عاطفي وتصرفات عدوانية أحيانا كوسيلة للتعبير ولإثبات الوجود”.

وأضافت: “في أوقات الاحتجاجات والانفعال الجماعي، يفقد الأفراد جزءا من إحساسهم بالمسؤولية الشخصية، وتصبح العاطفة معدية. يعبرون عن الغضب والإحساس بالظلم والإحباط المتراكم في الشارع كأنه مسرح للتعبير. ويزداد ذلك بفعل التأثير الاجتماعي؛ لأن رؤية الآخرين يتحدون السلطة يمكن أن تدفع البعض إلى الالتحاق بالفعل الجماعي، حتى لو لم يكونوا ليفعلوا ذلك لوحدهم. هذه عوامل تدخل في ما نسميه بسيكولوجيا الجماهير”.

وختمت عكراش بالتأكيد أن “المهم ألا نحاول تفسير كل سلوك من خلال المرض النفسي. صحيح أن بعض الشباب يعانون من اضطرابات أو إدمان، لكن هذا لا يعني أن كل من خرج إلى الشارع بسلوك عدواني مضطرب أو مدمن. فالإدمان نفسه، حين يوجد، هو لغة ألم ووسيلة لإسكات معاناة لا تقال، وليس مجرد انحراف أو ضعف إرادة”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق