01:30 م - الأحد 19 أكتوبر 2025
0
أكد حسن عبدالله، محافظ البنك المركزي المصري، في حوار مع مجلة “Global Finance”، أن الاقتصاد المصري واجه خلال العامين الماضيين تحديات غير مسبوقة على المستويين الدولي والمحلي، مشيرا إلى أن البنك المركزي تعامل معها بسياسات حاسمة أعادت الثقة والاستقرار للأسواق.

أوضح عبدالله، أن مصر تأثرت بارتفاع أسعار السلع الأساسية عالميا، ما زاد من الضغوط التضخمية على الأسعار المحلية وأرهق الموازنة العامة، بالتزامن مع قيام البنوك المركزية الكبرى برفع أسعار الفائدة بأكثر من 500 نقطة أساس، وهو ما أدى بدوره إلى خروج رؤوس أموال من الأسواق الناشئة.
وأضاف، أن التوترات الجيوسياسية زادت المشهد تعقيدا؛ إذ تسببت الهجمات في البحر الأحمر في انخفاض إيرادات قناة السويس، ما وضع ضغوطا إضافية على موارد النقد الأجنبي، لافتا إلى أن معدلات التضخم المحلية ارتفعت إلى مستويات قياسية تجاوزت 35% في عام 2023 نتيجة تراجع العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع المستوردة، كما شهد سعر الصرف تقلبات حادة نتيجة سلسلة من التخفيضات المتتالية بين عامي 2022 و2024، الأمر الذي أدى إلى تقييد الواردات وخلق اختناقات في الصناعة.
وأشار حسن عبدالله، إلى أن حالة عدم اليقين بشأن السياسات وتأخر تنفيذ الإصلاحات الهيكلية قد أثرت سلبا على ثقة المستثمرين، ما تطلب تدخلا قويا من البنك المركزي للسيطرة على التضخم واستعادة التوازن، مؤكدا على أن البنك المركزي اتبع سياسة نقدية انكماشية قوية برفع أسعار الفائدة بإجمالي 1900 نقطة أساس بين عامي 2022 و2024، ثم أقدم في مارس 2024 على توحيد سعر الصرف، وهي خطوة وصفها بأنها “جريئة لكنها ضرورية” لإعادة الشفافية إلى سوق النقد الأجنبي وإنهاء التشوهات وتوجيه الموارد نحو القنوات الرسمية.
وبين محافظ البنك المركزي المصري، أن هذه الخطوة كانت نقطة تحول رئيسية في الاقتصاد المصري، إذ أسهم النظام المرن لسعر الصرف في امتصاص الصدمات الخارجية وتحقيق التوازن في السوق، مشيرا إلى أن النتائج جاءت سريعة وواضحة؛ حيث انخفض معدل التضخم إلى 25.7% بحلول منتصف 2024، ثم إلى 12% في أغسطس 2025، ما أتاح للبنك المركزي البدء في دورة تيسير نقدي، خفض خلالها أسعار الفائدة بمقدار 525 نقطة أساس منذ أبريل 2025 دون الإخلال بالاستقرار المالي، فيما ارتفعت الاحتياطيات الدولية إلى مستوى قياسي بلغ 49.25 مليار دولارا، مدعومة بتدفقات طويلة الأجل واستثمارات كبيرة، ما حسن جودة وكفاية الاحتياطيات الأجنبية.
وساهم ذلك في تقليص عجز الحساب الجاري إلى 13.2 مليار دولار خلال التسعة أشهر الأولى من العام المالي 2024 – 2025 مقابل 17.1 مليار دولارا في العام السابق، مدفوعا بزيادة تحويلات العاملين بالخارج بنسبة 82% لتصل إلى 26.4 مليار دولارا خلال نفس الفترة.
وأشار المحافظ، إلى أن المستثمرين الأجانب استأنفوا المشاركة في سوق الدين المحلي مع تراجع التضخم وعودة الفائدة الحقيقية إلى المنطقة الموجبة، ما دعم السيولة وثقة المستثمرين، قبل أن يؤكد أن المرحلة المقبلة ستركز على الحفاظ على مرونة سعر الصرف وتطوير سوق نقد أجنبي أكثر عمقا وسيولة لتعزيز مرونة الاقتصاد، مع الاستمرار في استخدام نهج قائم على البيانات لتحديد مسار السياسة النقدية.
وفيما يخص أداء القطاع المصرفي، أوضح حسن عبدالله، أن البنوك المصرية تتمتع بصلابة عالية؛ إذ بلغ معدل كفاية رأس المال 18.6%، ورأس المال الأساسي 13.2%، ونسبة الرفع المالي 7.6%، وجميعها تفوق المتطلبات التنظيمية، فيما بلغت نسبة القروض غير المنتظمة 2.1% فقط مع تغطية مخصصات بنسبة 90%، في حين بلغ العائد على حقوق الملكية 39% والعائد على الأصول 2.6%، ما يعكس كفاءة القطاع واستقراره، مشيرا إلى أن مؤشرات السيولة تتجاوز الحدود التنظيمية بما يؤكد قدرة البنوك على امتصاص الصدمات.
وأضاف عبدالله، أن النظرة المستقبلية للقطاع إيجابية؛ إذ ارتفعت نسبة الشمول المالي إلى 75% في عام 2024 مدفوعة باستراتيجيات وطنية تستهدف النساء والشباب ورواد الأعمال والفئات الأقل حظا، كما يسهم التحول الرقمي من خلال الخدمات المصرفية عبر الهاتف والمحافظ الإلكترونية والبنوك الرقمية في توسيع الوصول وتحسين الكفاءة وتقليل التكاليف.
وأكد محافظ المركزي المصري، أن الاستقرار الاقتصادي والوضوح في السياسات يمثلان الأساس لجذب الاستثمارات، مشيرا إلى أن التواصل الواضح لقرارات السياسة النقدية هو حجر الأساس لبناء ثقة المستثمرين، وأن البنك المركزي يركز على تطوير الأسواق المالية المحلية وتوسيع أدوات الدين والأسهم، وضمان تدفق الائتمان نحو القطاع الخاص بكفاءة.
وأوضح، أن مصر نجحت في جذب تدفقات طويلة الأجل كبيرة من خلال شراكات واستثمارات استراتيجية، متوقعا استمرار هذا الاتجاه في ظل المشاريع الجديدة وخطط الدولة لبيع الأصول المملوكة لها، التي توفر فرصا استثمارية متنوعة، مؤكدا أن البنك المركزي يعمل على مواءمة سياساته مع الاتجاهات العالمية في مجالات التمويل المستدام والتحول الأخضر والتمويل الرقمي.
واختتم المحافظ، حديثه بالتأكيد على أن البنك المركزي قطع شوطا كبيرا في التحول الرقمي؛ إذ أطلق شبكة المدفوعات اللحظية InstaPay التي تخدم أكثر من 12.7 مليون مستخدم، ويعمل على تحديث أنظمة التحويلات عبر الحدود لتصبح أسرع وأقل تكلفة، كما أصدر قواعد ترخيص البنوك الرقمية في 2023، ومنح أول ترخيص في عام 2025، وأطلق خدمات الإقراض الرقمي عبر تقييمات سلوكية وبيانات بديلة بالتعاون مع شركة آي-سكور، قبل أن يشير إلى أن البنك المركزي يطور حاليا استراتيجية للذكاء الاصطناعي في القطاع المصرفي، ويعمل على تحديث أنظمة البنك الأساسية والخزانة، وإنشاء مركز بيانات من الفئة الرابعة (Tier 4) جاهز للذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى منصة بيانات موحدة تتيح رقابة أسرع وأكثر دقة، معتبرا أن هذه الجهود تمثل نقلة نوعية في رحلة التحول الرقمي للبنك المركزي المصري، وتعزز مكانة مصر كأحد أهم المراكز المالية الصاعدة في المنطقة.
0 تعليق