يشهد سوق الذهب المحلي حالة من الارتباك غير المسبوق، بعدما لامس سعر الجنيه الذهب حاجز الـ44 ألف جنيه في قفزة وصفتها مصادر مصرفية بأنها “غير منطقية” مقارنة بالأسعار العالمية.
وبينما يحاول البعض تفسير هذا الارتفاع المفاجئ بعوامل العرض والطلب، تشير مؤشرات خفية إلى ما هو أعمق من ذلك — تراجع الثقة النقدية في الأسواق، وعودة سلوك الاكتناز لدى المواطنين الذين باتوا يرون في الذهب “الملاذ الأخير” لحماية مدخراتهم من التآكل المحتمل لقيمة الجنيه.
وتوتر تجاري ومشهد سياسي مضطرب
شهدت الأسواق العالمية حالة من الارتباك بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزمه فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على جميع الواردات الصينية بدءًا من 1 نوفمبر، ردًا على القيود الجديدة التي فرضتها بكين على تصدير العناصر الأرضية النادرة.
هذه الخطوة أثارت مخاوف من تعطل سلاسل الإمداد العالمية، وأعادت للأذهان أجواء الحرب التجارية بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم.
ورغم محاولات التهدئة التي صدرت خلال عطلة نهاية الأسبوع، فإن حالة الحذر تسود الأسواق، فيما يلجأ المستثمرون إلى الذهب كملاذ يحافظ على القيمة وسط تصاعد التوترات.
الإغلاق الحكومي الأمريكي يفاقم المخاوف
زاد من تعقيد المشهد استمرار الإغلاق الحكومي الأمريكي للأسبوع الثالث على التوالي، مما أدى إلى تسريح موظفين فيدراليين وتعليق عدد من التقارير الاقتصادية المهمة، من بينها مؤشر أسعار المستهلكين الذي أُجّل صدوره إلى 24 أكتوبر.
وفي ظل غياب مؤشرات اقتصادية جديدة، تتجه أنظار الأسواق إلى خطاب رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول المقرر غدًا، والذي يُنتظر أن يوضح ملامح السياسة النقدية المقبلة، وسط توقعات بخفضين إضافيين لأسعار الفائدة هذا العام.
الطلب الاستثماري يواصل دعم الأسعار
تشير بيانات مجلس الذهب العالمي إلى أن الارتفاع الأخير في الأسعار يعكس موجة قوية من الطلب الاستثماري، مدفوعة بتزايد مشتريات صناديق الاستثمار المدعومة بالذهب، التي سجلت تدفقات تفوق 67 مليار دولار منذ بداية العام، بينما ارتفعت حيازاتها العالمية إلى 3857 طنًا من الذهب، أي أقل بنسبة 2% فقط من ذروتها التاريخية المسجلة في نوفمبر 2020.
ويُرجّح المجلس أن موجة الصعود الحالية لم تستنفد زخمها بعد، نظرًا لاستمرار ضعف الدولار، وتراجع العوائد الحقيقية للسندات الأمريكية، وتزايد التقلبات في أسواق الأسهم، إلى جانب استمرار مشتريات البنوك المركزية حول العالم.
الذهب يكتب فصلًا جديدًا من تاريخه
ويختتم مجلس الذهب العالمي تحليله بالتأكيد على أن ما يحدث في أكتوبر 2025 ليس ذروة السوق، بل مرحلة جديدة من إعادة تسعير المعدن الأصفر في ظل تحولات الاقتصاد العالمي.
ففي عالمٍ تتراجع فيه الثقة بالعملات الورقية وتتسع فيه المخاطر الجيوسياسية، يبدو أن الذهب يواصل أداء دوره التاريخي كـ "الملاذ الآمن" الذي يوازن بين العاصفة والتاريخ.
0 تعليق