استقرت أسعار النفط العالمية اليوم الأربعاء قرب مستوى 62 دولاراً للبرميل، بعد أن سجلت انخفاضاً حاداً في الجلسة السابقة هو الأدنى منذ خمسة أشهر، متأثرة بتزايد المخاوف من اندلاع حرب تجارية جديدة بين الولايات المتحدة والصين، إلى جانب توقعات بتنامي الفائض في المعروض النفطي خلال العام المقبل.
وتداول خام برنت القياسي عند نحو 62 دولاراً للبرميل بعد تراجع بنسبة 1.5% في جلسة الثلاثاء، بينما هبط خام غرب تكساس الوسيط الأميركي إلى ما دون 59 دولاراً للبرميل، في وقت أشارت فيه وكالة الطاقة الدولية إلى أن سوق النفط العالمية تتجه نحو فائض في الإمدادات يبلغ 4 ملايين برميل يومياً خلال عام 2024، بزيادة قدرها 20% عن التقديرات السابقة.
ويأتي هذا الفائض المتوقع في ظل استمرار تحالف "أوبك+" في زيادة الإنتاج بهدف استعادة الحصة السوقية التي فقدها خلال السنوات الماضية لصالح المنتجين المستقلين، الأمر الذي يضغط على الأسعار ويزيد من مخاوف تخمة المعروض في الأسواق العالمية.
وفي الوقت ذاته، تتصاعد التوترات التجارية بين واشنطن وبكين بعد تصريحات للرئيس الأميركي دونالد ترامب أشار فيها إلى احتمال وقف تجارة زيوت الطهي مع الصين، في خطوة جديدة ضمن سلسلة الإجراءات المتبادلة بين الجانبين. وردّت بكين بفرض عقوبات على وحدات أميركية تابعة لشركة شحن كورية جنوبية، ما أثار قلق المستثمرين من احتمال انزلاق أكبر اقتصادين في العالم إلى مواجهة اقتصادية جديدة.
ورغم حدة الخطاب السياسي، صدرت تصريحات أكثر تصالحية من الممثل التجاري الأميركي جيمسون غرير، الذي توقع أن تشهد المرحلة المقبلة انحساراً تدريجياً في التوترات التجارية بعد جولة المفاوضات الأخيرة، في إشارة إلى وجود قنوات خلفية للحوار بين الطرفين.
من جانبه، قال روبرت ريني، رئيس أبحاث السلع والكربون في "ويستباك بنك كورب"، إن الانخفاض دون مستوى 65 دولاراً يمثل بداية ما وصفه بـ"حقبة إعادة التسعير"، متوقعاً أن يتراجع خام برنت إلى ما دون 60 دولاراً خلال الأسابيع المقبلة، في ظل زيادة إنتاج "أوبك" وارتفاع الإمدادات الأميركية. وأشار إلى أن تقريري "أوبك" و"وكالة الطاقة الدولية" يؤكدان الاتجاه ذاته نحو تفاقم الفائض في سوق الخام.
وفي سياق آخر، أظهرت مؤشرات السوق ضعفاً إضافياً في الطلب الفوري، إذ انقلب الفارق الزمني بين أقرب عقدين لخام برنت إلى حالة "كونتانغو"، وهي بنية سعرية هبوطية تشير إلى أن الأسعار الآجلة أعلى من الفورية، ما يعكس توقعات الأسواق بوفرة الإمدادات خلال الفترة المقبلة.
وفي المقابل، قد يتلقى سوق النفط دعمًا مؤقتًا من السياسة النقدية الأميركية، إذ ألمح رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إلى احتمال خفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في وقت لاحق من الشهر، في خطوة قد تحفز النشاط الاقتصادي العالمي وتضعف الدولار الأميركي، مما يدعم أسعار السلع المقومة بالدولار وعلى رأسها النفط الخام.
ويرى محللون أن الضغوط المزدوجة من فائض المعروض والتوترات الجيوسياسية تجعل سوق النفط عرضة لتقلبات حادة في المدى القريب، مؤكدين أن أي تصعيد في العلاقات التجارية بين واشنطن وبكين قد يدفع الأسعار إلى مستويات أقل من 60 دولاراً، في حين أن أي انفراجة دبلوماسية أو خفض إضافي في الفائدة قد يمنح السوق بعض الاستقرار المؤقت.
0 تعليق