في ظل التحديات الاقتصادية المتسارعة التي تواجه السوق المصري، يظل قطاع الأسمنت واحداً من أكثر القطاعات إثارة للجدل، ورغم الارتفاع الملحوظ في الإنتاج الذي بلغ نحو 20% خلال الأشهر الأولى من عام 2025، إلا أن أسعار الطن لم تشهد أي انخفاض ملموس، بل استقرت أو ارتفعت في بعض الحالات.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض الأسباب الرئيسية لهذه الظاهرة، والسر ورائها، خاصة في وقت يشهد فيه السوق توازناً هشاً بين العرض والطلب، وسط ضغوط عالمية ومحلية تؤثر على تكاليف الإنتاج والتسعير.
ارتفاع الإنتاج واقع أم وهم؟
وشهد قطاع الأسمنت المصري نمواً إنتاجياً قوياً خلال عام 2025، حيث ارتفع الإنتاج إلى 25.39 مليون طن من يناير إلى يوليو، مقارنة بـ23.3 مليون طن في الفترة نفسها من 2024، بنسبة زيادة تصل إلى 9%، وفقاً لبيانات البنك المركزي المصري.
وومع ذلك، يقدر الخبراء أن الزيادة الفعالة في الطاقة الإنتاجية بلغت نحو 20% عند إعادة تشغيل 9 خطوط إنتاج متوقفة، كما أعلنت وزارة الصناعة في سبتمبر 2025، وهذا الارتفاع جاء دعماً للسوق المحلي بعد تعليق قرار خفض الطاقات الإنتاجية لأجل غير مسمى، بهدف مواجهة نقص المعروض السابق، ورغم ذلك، لم يترجم هذا النمو إلى انخفاض أسعار.
وفي الواقع، سجل متوسط سعر الطن للأسمنت البورتلاندي العادي 3670 جنيهاً في الربع الثاني من 2025، بارتفاع 18% عن الربع الأول.
وفي أكتوبر 2025، استقر السعر عند حوالي 3820-4057 جنيهاً للطن، بعد زيادات محدودة تراوحت بين 50 و200 جنيه في الشهور السابقة، ةهذا الاستقرار يعكس عدم قدرة الزيادة الإنتاجية على مواجهة العوامل السعرية الأخرى.
السبب الرئيسي في الضغط السعري
ويعد ارتفاع تكاليف الإنتاج العامل الأبرز في منع انخفاض الأسعار، رغم الوفرة الإنتاجية، حيث تمثل الطاقة نحو 50-65% من تكلفة إنتاج طن الأسمنت، ومع زيادة أسعار الكهرباء والوقود بنسبة تصل إلى 40% في 2025، ارتفعت التكاليف التشغيلية بشكل حاد.
كما أثر التضخم العالمي على أسعار المدخلات المستوردة، مثل الفحم والخامات، مما دفع المنتجين إلى الحفاظ على هوامش ربح مناسبة.
كما أن التضخم العالمي يجبر الشركات على تسعير المنتج وفقاً للسوق الدولي، رغم الفائض المحلي، في حين أن استقرار أسعار الفحم العالمية دعم الهوامش الربحية، لكنه لم يمنع الزيادات الناتجة عن تكاليف النقل والطاقة.

ونتيجة لذلك، ارتفع هامش الربح المجمل إلى 37% في الربع الثاني، مما يعزز من رفض الشركات خفض الأسعار.
صرف الزيادة بعيداً عن السوق المحلي
وليس الإنتاج المحلي وحده ما يحدد الأسعار، فالتصدير يلعب دوراً حاسماً، حيث بلغت صادرات الأسمنت المصري 780 مليون دولار في أول 10 أشهر من 2024، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 15 مليون طن في 2025، خاصة إلى 95 دولة أفريقية وأوروبية.
وهذا التوجه التصديري، الذي نمى بنسبة 12% في 2024، يصرف جزءاً كبيراً من الزيادة الإنتاجية خارج السوق المحلي، مما يحافظ على ضيق المعروض الداخلي.
وفقاً لـ"CNN" في مايو 2025، أدى التصدير إلى تعليق قرار خفض الإنتاج لشهرين، لكن ذلك لم يمنع الزيادات السعرية بنسبة 500 جنيه للطن.
وفي أكتوبر 2025، أشارت بوابة الأسعار المحلية إلى أن التصدير إلى ليبيا ودول أفريقية ساهم في نقص مؤقت، مما دفع الأسعار إلى الارتفاع بنسبة 2% في الأسبوع الأخير.
الطلب الموسمي والتوازن الهش
ورغم الوفرة العامة، يتأثر السوق بالطلب الموسمي، ففي مايو وسبتمبر 2025، ارتفع الطلب بنسبة 16.5% بسبب مشروعات البناء الحكومية والإجازات، مما أدى إلى زيادات سعرية تصل إلى 300 جنيه.
ومع ذلك، تراجع الطلب في أكتوبر بنسبة 4% إلى 45 مليون طن سنوياً، مما أدى إلى استقرار نسبي.
وأحمد الزيني، رئيس شعبة مواد البناء، أكد أن الوفرة في المعروض منعت قفزات سعرية جديدة، لكن الزيادات السابقة (50-200 جنيه) تعكس توازناً هشاً.
كما أن انخفاض أسعار الأسمنت بنسبة 25% في يوليو 2025 كان مؤقتاً، ولم يستمر بسبب عودة الضغوط.
التدخلات الحكومية لاحتواء الأزمة
وتدخلت الحكومة لتهدئة السوق، حيث أعلن نائب رئيس الوزراء كامل الوزير في سبتمبر 2025 عن إعادة تشغيل خطوط إنتاج وتجميد التصدير المؤقت، مما خفض الأسعار بنسبة 20% جزئياً.
كما شدد جهاز حماية المنافسة على مراقبة التسعير الشفاف، لمنع التلاعب كما حدث في مارس 2025 عند إغلاق 9 خطوط.
ويشير الخبراء إلى أن الانخفاض الحالي غير كافٍ، ويجب خفض إضافي لتحقيق التوازن".
التأثيرات على الاقتصاد والمستهلك
ويؤثر استقرار الأسعار العالية على قطاع البناء، الذي يشغل ملايين العمال، ويزيد تكاليف المشروعات الإنشائية بنسبة 10-15%، مما يرفع أسعار العقارات رغم قوة الجنيه.
كما أن الركود في المبيعات، في أكتوبر الجاري، يهدد آلاف المصانع المتعثرة.
ورغم الارتفاع الإنتاجي بنسبة 20%، فإن أسعار الأسمنت لم تنخفض بسبب تكاليف الإنتاج المرتفعة، التصدير القوي، والطلب الموسمي.
والتدخلات الحكومية توفر أملاً، لكن الحل الجذري يكمن في خفض تكاليف الطاقة وتنظيم التصدير، ومع اقتراب نهاية 2025، يتوقع الخبراء استقراراً إذا استمرت الجهود، مما يدعم نمو الاقتصاد بنسبة 4-5%.
0 تعليق