في مشهد يعيد إلى الأذهان وقائع أثارت غضب الشارع المصري في عام 2020، عاد من يُعرف إعلاميًا بـ”طفل المرور” إلى الواجهة مجددًا، ولكن هذه المرة ليس بمقطع فيديو ساخر أو تعدٍ لفظي على رجل شرطة، بل في واقعة عنف جسدي خطيرة بمنطقة المقطم، طرفها الرئيسي هو الطفل نفسه، المتهم حاليًا بالاعتداء الوحشي على طالب باستخدام عصا “بيسبول” رفقة اثنين من أصدقائه.

ظهور جديد لطفل المرور وقضية جديدة باتت حديث الساعة، وحركت الرأي العام المصري الذي لم ينسَ بعد تفاصيل واقعة التعدي الأولى التي أدت إلى إيداع الطفل في إحدى دور الرعاية.
تفاصيل الواقعة الجديدة
تلقت الأجهزة الأمنية بقسم شرطة المقطم بلاغًا من أحد أولياء الأمور يفيد بتعرض نجله لاعتداء عنيف من قبل ثلاثة طلاب، أحدهم معروف إعلاميًا بـ”طفل المرور”.
وأوضح البلاغ أن الواقعة حدثت أثناء خروج الطالب المجني عليه من منزله متوجهًا إلى المدرسة، حيث ترصده المتهمون واعتدوا عليه مستخدمين عصا “بيسبول”، ثم لاذوا بالفرار.
وأظهر التقرير الطبي أن المجني عليه يعاني من إصابات خطيرة شملت: كدمات متعددة، جروح في الوجه والجسم، نزيف بالأذن، وفقدان وعي كامل، الأمر الذي استدعى نقله إلى غرفة العناية المركزة بشكل عاجل.
وبحسب شهادة أسرة المجني عليه، فإن الاعتداء جاء على خلفية مشاجرة سابقة بينه وبين شقيق طالبة تُعد من معارف المتهمين، ما أدى إلى تصاعد الأمور بشكل عنيف وغير مبرر.
كاميرات المراقبة توثق الجريمة
اللافت أن كاميرات المراقبة المثبتة في المنطقة وثقت لحظة تنفيذ الاعتداء، ما وفر دليلاً دامغًا للقوات الأمنية التي ألقت القبض على أحد المتهمين، فيما يجري حاليًا تكثيف الجهود لضبط “طفل المرور” ومتهم آخر هارب.
وبينما تتخذ الأجهزة الأمنية إجراءاتها، عاد مشهد “طفل المرور” ليتصدر عناوين الصحف ومواقع التواصل، مدفوعًا بالسؤال الأهم: هل يكفي الإيداع في دار رعاية لردع طفل تورط سابقًا في التعدي على سلطة الدولة؟
تاريخ من التمرد: من تحدي المرور إلى الاعتداء الجسدي
لم يكن هذا هو الظهور الأول للطفل أحمد أبو المجد، إذ يعود ظهوره الإعلامي إلى نوفمبر 2020 عندما تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو له وهو يقود سيارة دون رخصة، ويوجه إهانات لرجل مرور أثناء تأدية عمله، متحديًا سلطته ومتباهيًا بمركز والده القضائي.
وبعد الواقعة الأولى، أخلت النيابة سبيله وتعهد والده، القاضي أبو المجد عبد الرحمن أبو المجد، بحسن رعاية ابنه.
لكن “طفل المرور” لم يتوقف، بل نشر لاحقًا مقاطع فيديو تهكم فيها مجددًا على السلطات، مما دفع النيابة العامة لإعادة حبسه وإيداعه إحدى دور الرعاية الاجتماعية.
أحكام سابقة وتشديد قضائي لم يردعه
في قضايا متنوعة شملت التنمر، الإهانة، استعراض القوة، والتعدي على موظف عام، أصدرت محكمة جنايات الطفل بالقاهرة أحكامًا رادعة، من بينها:
إيداع أحمد أبو المجد بدار رعاية اجتماعية.
حبس زميليه عامًا وتغريمهما 10 آلاف جنيه لكل منهما.
غرامات وصلت إلى 100 ألف جنيه لتهم تتعلق بسوء استخدام الإنترنت والتعدي على القيم الأسرية.
ورغم تشديد العقوبات، يبدو أن الواقعة الأخيرة تثبت أن التدابير السابقة لم تُحقق الردع المطلوب، بل أعادت إلى الأذهان تساؤلات حول جدوى الإيداع وحده دون علاج جذري للسلوك المنحرف.
القانون في مواجهة القصر: ما بين العقوبة والتأهيل
ينص قانون الطفل المصري على أن الطفل الذي يرتكب جريمة حتى سن الخامسة عشرة يخضع لمجموعة من التدابير، تبدأ بالتوبيخ وتنتهي بالإيداع في مؤسسة رعاية، بدون مدة زمنية محددة، ويُترك تحديد فترة الإيداع لتقييم مشترك بين المحكمة والمؤسسة.
غير أن الواقع العملي يثير تساؤلات حول فاعلية هذه التدابير، لا سيما في القضايا التي تنطوي على عنف متكرر وتحدٍ واضح للقانون.
تفاعل واسع وغضب على مواقع التواصل
كشفت الواقعة الجديدة عن سخط شعبي كبير، حيث اعتبر كثيرون أن ظهور جديد لطفل المرور وقضية جديدة هو دليل على خلل في منظومة الردع القانونية، خاصة حينما يتعلق الأمر بأبناء الشخصيات العامة أو من يعتقدون أنهم “فوق القانون”.
وطالب مغردون بإعادة النظر في العقوبات المقررة للأطفال الجانحين إذا ما تكرر منهم الفعل الإجرامي، لا سيما أن الطفل المتهم تجاوز مراحل الطفولة البريئة وأصبح يشكل خطرًا واضحًا على الآخرين.
اعتذار القاضي الأب لا يُنهي القضية
من جانبه، أصدر والد المتهم، القاضي أبو المجد عبد الرحمن أبو المجد، نائب رئيس محكمة الاستئناف، بيانًا يعتذر فيه للشعب المصري عما بدر من نجله، مؤكدًا رفضه الكامل لتصرفاته.
لكن البيان لم يكن كافيًا لتهدئة موجات الغضب التي اجتاحت مواقع التواصل، خاصة بعد ظهور الطفل في مقطع جديد يسخر فيه من إمكانية محاسبته، في تحدٍّ واضح للقانون.
تعليقات