صادق مجلس الحكومة أخيراً على مشروع المرسوم رقم 2.25.339، الذي نص على تعويضات جديدة عن الأخطار المهنية في قطاع الصحة، تنزيلاً لاتفاق 23 يوليوز 2024. وقد لقي هذا الإجراء استحساناً واسعاً من النقابات المهنية العاملة بالمجال الصحي؛ إذ أشادت النقابة المستقلة للممرضين وتقنيي الصحة بالخطوة وربطتها بخطوات فعلية لتحفيز الأطر التمريضية والإدارية، كما اعتبرتها النقابة الوطنية للصحة العمومية تتويجاً للتفاعل الإيجابي مع المطالب المشروعة لتثمين رأس المال البشري في المنظومة.
في المقابل عبّرت النقابة الوطنية للتعليم العالي عن رفضها القاطع لمدَّة 1400 درهم المخصصة للأساتذة الباحثين، مشددة على أن “عدم تطبيق الأثر الرجعي لهذا التعويض يُعدُّ خرقاً للاتفاقات السابقة وإهانةً لمبدأ المساواة والعدالة داخل التعليم العالي الصحي”. وهكذا تبدو مواقف الفاعلين متباينة بين ترحيب بخطوات التحفيز وتشجيع استمرار الحوار الاجتماعي، وبين رفض لمقتضيات اعتُبِرت مجحفة في حق فئة أساسية في القطاع الصحي.
في هذا الإطار قال مصطفى جعا، الكاتب الوطني للنقابة المستقلة للممرضين وتقنيي الصحة: “إنّ المرسوم الصادر اليوم يأتي ترجمةً فعلية لاتفاق 23 يوليوز 2024، الذي نصّ صراحةً على إقرار تعويض شهري صافٍ بقيمة 500 درهم لفائدة الأطر التمريضية بجميع فئاتها، و200 درهم صافية للأطر الإدارية والتقنية من مهنيي الصحة، وذلك ضمن خانة التعويض عن الأخطار المهنية مراعاةً لخصوصية هذا القطاع. كما تضمن المرسوم منح 1400 درهم صافية للأساتذة الباحثين التابعين لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية”.
وأوضح جعا ضمن تصريح لهسبريس أن “الاتفاق يتضمن 27 نقطة أخرى تحتاج إلى تنزيل فوري”، معتبرا أن “منح هذه التعويضات حافزٌ مهم وتشجيع للأطر الصحية على مواصلة العطاء تحت ظروف عملٍ صعبة”، لكنه شدّد في الوقت نفسه على أنّ “هناك مطالب مادية أخرى لم يُجب عنها بعد، وعلى رأسها ملف التقاعد الذي ينتظر حلاً جذريًّا يضمن حقوق العاملين عند نهاية الخدمة”.
من جانبه قال حمزة الإبراهيمي، المنسق الجهوي للنقابة الوطنية للصحة العمومية، إن “النقابة الوطنية للصحة العمومية (ف د ش) تثمن مصادقة مجلس الحكومة على مشروع المرسوم رقم 2.25.339 بتغيير وتتميم المرسوم رقم 2.99.649 المتعلق بالتعويض عن الأخطار المهنية لفائدة مهنيي الصحة، الذي يشكل خطوة هامة في مسار تثمين الرأسمال البشري بقطاع الصحة العمومية”.
وأوضح الإبراهيمي، ضمن تصريح لهسبريس، أن هذه الخطوة تأتي في إطار تنزيل مقتضيات الاتفاق الموقع مع الحكومة بتاريخ 23 يوليوز 2024، موردا: “نعتبر أن هذا المرسوم يعكس التفاعل الإيجابي مع المطالب العادلة والمشروعة التي طالما ناضلت من أجلها النقابة الوطنية للصحة العمومية إلى جانب باقي الهيئات النقابية الجادة في إطار التنسيق النقابي الوطني بقطاع الصحة”.
وذكر المتحدث ذاته أن “مهنيي الصحة، بمختلف فئاتهم التمريضية والطبية والإدارية والتقنية، ظلوا دوما في طليعة المدافعين عن الحق في الصحة، وساهموا بتضحياتهم اليومية في صيانة كرامة المواطن وتحقيق الأمن الصحي الجماعي؛ وهم بذلك يشكلون الركيزة الأساسية لبناء منظومة صحية وطنية قوية، عادلة، ومستدامة”.
وأكد الفاعل النقابي نفسه أن “تثمين الأطر الصحية وتحسين أوضاعهم المادية والمعنوية هو مدخل جوهري لإصلاح المنظومة الصحية”، داعيا إلى “مواصلة الحوار الاجتماعي القطاعي الجاد والمسؤول لاستكمال باقي الأوراش المرتبطة بالتحفيز والتقدير المهني”.
في المقابل انتقدت النقابة الوطنية للتعليم العالي ما أسمته “القرار المجحف الصادر عن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية المتمثل في تحديد منحة الأخطار المهنية في مبلغ 1400 درهم فقط، عوض ما كان متفقا عليه خلال جولات الحوار الاجتماعي التي عقدتها الوزارة مع النقابة الوطنية للتعليم العالي، ما يشكل خرقاً واضحاً للاتفاقات السابقة، واستهانة صارخة بالمصداقية المؤسساتية والحوار الاجتماعي الجاد”.
وسجلت مكاتب النقابة في المعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة في عدد من المدن المغربية “استياءها” و”رفضها المطلق عدم صرف هذه المنحة بأثر رجعي، ما يحرم الأساتذة الباحثين المعنيين من حقهم المشروع في تسوية عادلة تنصفهم في ما بذلوه من جهود ومخاطر مهنية جسيمة خلال السنوات الماضية، إسوة بباقي مهنيي الصحة”.
وترى النقابة أن هذا القرار “يضرب في العمق مبدأ المساواة والعدالة داخل منظومة التعليم العالي الصحي، ويكرّس الإقصاء والتمييز بين مكونات التعليم العالي الصحي، ويشكل إهانة غير مقبولة لكرامة الأساتذة الباحثين الذين يعتبرون النواة الأساسية لتكوين الأطر الصحية، في ظروف تفتقر في أحيان كثيرة لأبسط مقومات السلامة المهنية”.
ووجهت الهيئة ذاتها دعوتها كافة الأساتذة الباحثين إلى “التعبئة والانخراط في برنامج نضالي تصعيدي سيتم الإعلان عنه لاحقاً، دفاعاً عن الكرامة والحق المشروع”، وحملت الوزارة الوصية “كامل المسؤولية عما قد يترتب على هذه الإجراءات من توتر اجتماعي ومقاطعة بيداغوجية قد تمس السير العادي للموسم الجامعي والتكويني”.
تعليقات