حين يُذكر اسم “فضل شاكر”، فلا بد أن تقف الذاكرة طويلاً أمام مشهدين متناقضين: الأول لملك الرومانسية الذي صدح صوته بأجمل الألحان، والثاني لاسم أثار جدلاً سياسياً وأمنياً تجاوز حدود الفن.
وبين هذا وذاك يبقى “فضل شاكر” حالة فريدة، صنعت مجدها الفني بسلاسة، ثم تعثرت في دروب وعرة… ولكنها لم تندثر.
نجم وُلد على أنغام الطرب الأصيل
وُلد فضل عبد الرحمن شمندر، المعروف فنيًا بـ”فضل شاكر”، في الأول من أبريل عام 1969 في مدينة صيدا اللبنانية.
ومنذ مراهقته برزت موهبته الغنائية، فكان يغني في الحفلات والمناسبات، مقلّدًا عمالقة الفن العربي كأم كلثوم، عبد الحليم حافظ، وفريد الأطرش.
كانت بدايته الفعلية عام 1998 بألبوم “والله زمان”، الذي رسّخ اسمه في ذاكرة الجمهور العربي.
توالت النجاحات بعد ذلك، من “بياع القلوب” (1999) إلى “الحب القديم” و”حبك خيال”، وصولًا إلى ألبوم “سهرني الشوق” عام 2005، ثم “الله أعلم” في 2006، حيث تمسّك بأسلوبه الغنائي المحافظ على الروح الشرقية.
وخلال هذه الفترة، حجز فضل شاكر لنفسه مكانة بين كبار الفنانين العرب، ولقّبه الجمهور بـ”ملك الرومانسية”.
التحولات الحادة: من القمم إلى الظلال
لم تكن حياة فضل شاكر مجرد أغانٍ وقصائد عشق. ففي عام 2012، أعلن اعتزاله الفن نهائيًا، مرجعًا قراره إلى أسباب دينية وسياسية، خاصةً موقفه من الأحداث في سوريا.
ظهوره عبر قناة “الرحمة” حينها كان بمثابة صدمة لجمهوره، إذ بدا في حالة تديّن وابتعاد تام عن الوسط الفني، مصرحًا بأن الفن لم يعد يشبهه.
ومع تصاعد الأزمات في لبنان، وظهور اسم فضل شاكر في ملف “أحداث عبرا” الشهيرة، اتُهم بالمشاركة في اشتباكات ضد الجيش اللبناني، ما أدى إلى صدور أحكام غيابية قاسية بحقه وصلت إلى السجن 22 عامًا.
ولكن في المقابل، صدر قرار لاحق من المحكمة العسكرية اللبنانية بإسقاط التهم المتعلقة بالقتل لعدم توفر الأدلة، وهو ما أعاد فتح باب النقاش حول إمكانية “العودة” بالنسبة للفنان الذي لطالما تغنّى بالحب والسلام.
عودة مشروطة وأغنيات صاخبة بالحنين
في مارس 2018، خرج فضل شاكر عن صمته الفني عبر أغنية “ليه الجرح”، معلنًا عن بداية صفحة جديدة. لم تكن عودته سهلة، بل رافقها جدل واسع، خصوصًا حين تم اختياره لغناء تتر مسلسل “لدينا أقوال أخرى” ليسرا.
فبين مؤيد لحقّه في العودة ومعارض لا يغفر له ما اعتُبر “تورطًا” سياسيًا، قررت الشركة المنتجة حذف صوته من العمل.
لكن رغم هذا، أصر فضل على مواصلة مشواره، فأطلق خلال السنوات التالية أغنيات باللهجتين المصرية والخليجية مثل “غيب”، و”وحشتوني”، و”يا ترى”، ليؤكد أنه لا يزال يملك القاعدة الجماهيرية الواسعة التي أحبته رغم كل شيء.
فضل شاكر… الإنسان قبل الفنان
بعيدًا عن الأضواء، عرف عن فضل شاكر تعلقه بعائلته، وزوجته الفلسطينية “ناديا”، وأولاده الثلاثة ألحان ومحمد ورنا.
كما تميّز بعشقه للموسيقى، وخاصة عزف البيانو، وباهتمامه برياضة صيد السمك على سواحل صيدا. حتى عندما سُحبت منه أضواء الشهرة، ظل يحمل وُدًا خاصًا للذكريات وللجمهور الذي بكى معه أغانيه.
خاتمة: هل يغفر الزمن؟
قصة فضل شاكر ليست فقط عن مغنٍ ناجح وقع في شباك السياسة والدين، بل هي سردية كاملة عن فنان قادته قناعاته الشخصية إلى الانسحاب من الساحة، ثم عاد ليطرق بابها من جديد بيدٍ مرتجفة وصوتٍ لا يزال دافئًا.
وإن كان التاريخ لا يُكتب إلا بعد أن تنقشع كل الغيوم، فإن اسم “فضل شاكر” سيبقى مرتبطًا بمزيج معقد من الفن والسياسة والجدل، تاركًا خلفه سؤالًا مفتوحًا: هل يمكن لفنان أن يستعيد مجده بعد كل هذا الانكسار؟ الزمن وحده يملك الإجابة.
تعليقات