في كل مرة يتغير فيها الفصل يشعر البعض بحالة من الحزن أو الضيق غير المفهوم، ومع دخول الخريف أو الشتاء بالتحديد، تزداد الشكوى من الكسل والنوم لفترات طويلة وفقدان الحماس، فيما يعتبره البعض أمرًا عاديًا يتضح أن هناك من يعاني مما يُعرف بـ”الاكتئاب الموسمي” وهو اضطراب نفسي يرتبط بتغير الفصول ويؤثر على المزاج بشكل مباشر.
وفي هذا التقرير نرصد أسبابه وأعراضه وطرق علاجه وفقًا لما كشفه الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية.
ما هو الاكتئاب الموسمي
أكد الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، أن الاكتئاب الموسمي أو ما يُعرف بـ”اكتئاب الفصول” هو أحد أنواع الاضطرابات العاطفية الموسمية وغالبًا ما يحدث في فصلي الخريف والشتاء وينتهي بانتهاء تلك الفصول أو مع قدوم الربيع والصيف.
وأضاف أن هذا النوع من الاكتئاب يرتبط بشكل مباشر بانخفاض كمية ضوء الشمس ما يؤدي إلى انخفاض نسبة هرمون السيروتونين المعروف بهرمون السعادة وبالتالي تظهر أعراض اكتئابية واضحة على المصاب.
أسباب الاكتئاب الموسمي
أوضح دكتور هندي أن السبب الرئيسي هو قلة التعرض لأشعة الشمس الطبيعية مما يسبب خللًا في الساعة البيولوجية للجسم ويؤثر على إفراز الهرمونات المرتبطة بالمزاج مثل السيروتونين والميلاتونين.
وأضاف أن هناك أسبابًا أخرى منها العامل الوراثي، فإذا كان هناك تاريخ عائلي للإصابة بالاكتئاب تزيد احتمالية الإصابة به، وكذلك الأشخاص الذين تعرضوا في الطفولة إلى مواقف مؤلمة مرتبطة ببداية الخريف مثل العودة للمدرسة أو التغيرات الاجتماعية والمناخية المفاجئة.
من الأكثر عرضة للإصابة
أشار الدكتور وليد هندي إلى أن النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب الموسمي بنسبة أربعة إلى واحد مقارنة بالرجال، كما أن الفئة العمرية الأكثر إصابة تتراوح ما بين 20 إلى 40 عامًا، بينما تقل فرص الإصابة به كلما تقدم العمر، وتقل بشدة بعد سن 55 عامًا.
كما بيَّن أن الأشخاص الذين يعيشون في مناطق بعيدة عن خط الاستواء يكونون أكثر عرضة للإصابة بسبب قلة ساعات سطوع الشمس.
الأعراض المصاحبة
عدد دكتور هندي الأعراض المصاحبة للاكتئاب الموسمي موضحًا أنها تشمل شعورًا بالحزن المستمر وفقدان الطاقة وصعوبة في الاستيقاظ صباحًا، مع رغبة شديدة في النوم لفترات طويلة، بالإضافة إلى الإقبال على تناول النشويات والحلويات وزيادة في الوزن.
وأضاف أن المصاب يكون سريع الانفعال ويشعر بثقل في الذراعين والساقين، ويعاني من ضعف القدرة على التركيز وتجنب الأنشطة الاجتماعية ويشعر بالذنب أو بعدم القيمة وقد تراوده أفكار انتحارية في بعض الحالات.
كيف يتم التشخيص
أوضح الدكتور وليد هندي أن تشخيص الحالة يتم أولًا من خلال الفحص السريري لاستبعاد الأسباب الجسدية مثل اضطرابات الغدة الدرقية، ثم إجراء فحوصات الدم، وأخيرًا تقييم الحالة النفسية باستخدام مقاييس الاكتئاب المعروفة لتحديد مدى شدة الحالة وما إذا كانت موسمية أم مرتبطة بنوع آخر من الاضطرابات النفسية.
طرق العلاج
قال دكتور هندي إن أهم أساليب العلاج تبدأ باستخدام العلاج الضوئي، وهو تعريض المريض لأضواء تحاكي ضوء الشمس لتحفيز إنتاج السيروتونين، إلى جانب ممارسة الرياضة بانتظام وتناول الأغذية الغنية بالفيتامينات والمعادن، والانخراط في الأنشطة الاجتماعية والاسترخاء والعلاج بالفن والموسيقى، فضلًا عن العلاج السلوكي المعرفي الذي يساعد في تعديل الأفكار السلبية.
وأشار إلى إمكانية استخدام مضادات الاكتئاب في بعض الحالات تحت إشراف طبي مباشر.
المشروبات الغازية والاكتئاب
كشف دكتور وليد هندي عن علاقة جديدة بين تناول المشروبات الغازية والاكتئاب حيث أظهرت دراسة استمرت عشر سنوات على أكثر من 263 ألف شخص أن من يتناول عبوة مياه غازية يوميًا لمدة أربع سنوات تزداد احتمالية إصابته بالاكتئاب بنسبة 30٪ مقارنة بغيره، موضحًا أن ذلك يعود إلى نسبة السكريات والمحليات الصناعية العالية التي تؤثر على كيمياء المخ وتزيد من اضطرابات المزاج.
نظام غذائي يحسن الحالة النفسية
نصح دكتور هندي بضرورة اتباع نظام غذائي يطلق عليه “منيو السعادة” ويشمل أطعمة مثل البيض والأسماك وخاصة السلمون والتونة والمكسرات والدجاج ومنتجات الألبان والخضروات مثل السبانخ والبنجر والطماطم والفلفل الأحمر والفواكه مثل الموز والتوت والفراولة، بالإضافة إلى الشوكولاتة الداكنة غير المحلاة.
وأشار إلى ضرورة تجنب الأطعمة المصنعة والمقلية والمخبوزات المصنوعة من الدقيق الأبيض والكاتشب والصوصات الجاهزة لما تحتويه من سكريات تسبب خللًا في الهرمونات وتؤدي إلى زيادة معدل القلق والاكتئاب.
الاكتئاب الموسمي ليس مجرد حالة مزاجية عابرة بل هو اضطراب نفسي حقيقي قد يؤثر بشكل كبير على جودة حياة المصاب به لذا فإن التعرف على أعراضه والوعي بأسبابه وطرق علاجه يمثل الخطوة الأولى نحو مواجهته والوقاية منه خاصة في المجتمعات التي تتكرر فيها التغيرات المناخية القاسية ومع التزايد المستمر في ضغوط الحياة اليومية تصبح الصحة النفسية أولوية لا تقل أهمية عن الصحة الجسدية.
تعليقات