بعد ما يقرب من ست سنوات على ظهور فيروس كورونا الذي غيّر وجه العالم، تعود المخاوف مجددًا لتطل برأسها من قارة آسيا، حيث سجلت مناطق مثل هونج كونج وسنغافورة ارتفاعًا مقلقًا في عدد الإصابات، مما أعاد إلى الأذهان شبح الجائحة الأولى.
كورونا يعود من جديد.. إشارات من هونج كونج وسنغافورة
تحت عنوان “كورونا يعود من جديد”، حذرت تقارير صحية دولية من موجة إصابات جديدة بدأت في الظهور تحديدًا في بعض المدن الآسيوية، أبرزها هونج كونج وسنغافورة.
ففي هونج كونج، وصف مسؤولو الصحة الوضع الحالي بأنه “مرتفع للغاية”، حيث سجلت المدينة أعلى معدل إيجابية في عينات الجهاز التنفسي منذ عام كامل، مما أثار حالة من التأهب في المؤسسات الصحية.
ووفقًا لما أعلنته إدارة الصحة هناك، فقد تم رصد زيادة كبيرة في حالات العدوى الشديدة وكذلك في عدد الوفيات، حيث تم تسجيل 31 حالة وفاة في أسبوع واحد، وهو رقم لم يُسجل منذ عام مضى.
وبينما لم تصل الموجة الحالية إلى الذروة التي شوهدت في عامي 2020 و2021، إلا أن المؤشرات الوبائية مثل عينات الصرف الصحي وازدياد الضغط على المستشفيات تشير إلى عودة قوية للفيروس في المجتمعات المكتظة بالسكان.
أما في سنغافورة، فقد كشفت وزارة الصحة عن قفزة كبيرة في عدد الإصابات خلال الأسبوع الأول من شهر مايو، حيث بلغ عدد الحالات التقديرية 14,200 حالة، بزيادة وصلت إلى 28% عن الأسبوع السابق، إلى جانب ارتفاع بنسبة 30% في حالات الاستشفاء اليومية.
هل المتحورات الجديدة أشد خطورة؟
رغم هذا التصاعد اللافت في الأرقام، إلا أن الخبراء أوضحوا أن المتحورات الجديدة التي تسببت في هذا الانتشار لا تحمل في الوقت الراهن مؤشرات على كونها أكثر فتكًا أو سرعة في الانتقال مقارنة بالمتحورات السابقة.
وأكدت وزارة الصحة في سنغافورة أنه لا توجد حتى الآن أدلة علمية على أن هذه السلالة الجديدة من الفيروس تمثل تهديدًا يفوق ما سبق، لكن ضعف المناعة المجتمعية بعد مرور وقت طويل على حملات التطعيم هو ما قد يكون السبب في هذا الارتفاع.
كورونا يعود من جديد ولكن بشكل مختلف
الجدير بالذكر أن عودة فيروس كورونا لا تأتي بنفس الملامح التي عهدناها خلال السنوات الأولى للجائحة.
فالواضح الآن أن الأعراض أخف، وتستهدف شريحة عمرية أوسع، وهو ما يتطلب استجابة صحية مرنة وسريعة، وليس فقط العودة للإغلاقات كما حدث في السابق. وهنا يكمن تحدي التعامل مع جائحة لا تزال تتطور.
أعراض لا يجب تجاهلها
مع تكرار التنبيهات من احتمالية عودة كورونا، شددت الهيئات الصحية الدولية على ضرورة التعرف على أبرز الأعراض الحالية للمتحورات الجديدة، والتي تختلف قليلًا عن المتعارف عليه سابقًا:
التهاب الحلق: غالبًا ما يكون أول الأعراض وأكثرها وضوحًا.
سيلان أو احتقان الأنف: يشبه نزلات البرد لكنه متكرر ويستمر لفترة أطول.
التعب الشديد: إحساس بالإرهاق غير مبرر حتى بعد الراحة.
السعال (جاف أو خفيف): لا يكون عنيفًا كالسابق، لكنه مستمر ومزعج.
الصداع: يتكرر بصورة مشابهة لصداع التوتر أو الإجهاد.
آلام في العضلات أو الجسم: خاصة في منطقة الظهر والأطراف.
حمى منخفضة أو قشعريرة: درجات حرارة خفيفة ولكن مستمرة، وقد يصاحبها رعشة خفيفة.
منظمة الصحة العالمية: نرصد التطورات بحذر
في بيان صدر مؤخرًا عن منظمة الصحة العالمية، أكدت المنظمة أن فيروس كورونا لا يزال يشهد تغيرات جينية، خاصة في بروتين السنبلة (Spike Protein) الذي يُعد المفتاح الرئيسي لدخوله إلى الخلايا. وأضافت أن المتغيرات الجديدة تتم متابعتها وتحليلها بشكل مستمر من خلال فرق متخصصة.
وأكد المدير العام للمنظمة على أهمية استمرار الدول في تنفيذ برامج التطعيم، بناءً على التوصيات الصادرة من اللجنة الاستشارية للقاحات التابعة للمنظمة (SAGE).
وقد أشار إلى ضرورة حماية الفئات الأكثر عرضة، مثل كبار السن، والمصابين بأمراض مزمنة، والعاملين في القطاع الصحي.
هل العودة إلى الإجراءات الاحترازية أمر ضروري؟
مع عودة النقاش حول “كورونا يعود من جديد”، بدأت بعض الدول في مراجعة سياساتها الوقائية، مثل فرض الكمامات في الأماكن المغلقة أو تعزيز التهوية في وسائل النقل العامة، دون التوجه نحو الإغلاق الكلي الذي أثبتت التجربة آثاره الاقتصادية السلبية.
في هذا السياق، شدد خبراء الصحة العامة على أهمية التوازن بين الحذر والواقعية، داعين إلى تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الوقاية الشخصية والتطعيم، دون إثارة الذعر أو التهويل الإعلامي.
ماذا عن المنطقة العربية ومصر تحديدًا؟
حتى الآن، لم تصدر تقارير رسمية من وزارات الصحة في الدول العربية عن وجود موجات إصابة جديدة، لكن ذلك لا يمنع من اتخاذ إجراءات وقائية احترازية، خاصة في ظل حركة السفر المتزايدة خلال الصيف والحج.
كما أنه من الضروري التنسيق مع الهيئات الصحية العالمية لمتابعة التطورات أولًا بأول.
وفي مصر، تعمل وزارة الصحة على تحديث البروتوكولات العلاجية ومراقبة الوضع الوبائي المحلي والدولي بشكل دقيق، مع التأكيد على الجاهزية الكاملة لأي تطورات محتملة، بما في ذلك توفير الأدوية والمستلزمات الوقائية.
الخلاصة: كورونا يعود من جديد ولكن الكرة في ملعبنا
إن الحديث عن أن “كورونا يعود من جديد” لا يعني بالضرورة أننا بصدد تكرار سيناريوهات الإغلاق والعزل، بل يشير إلى ضرورة مواكبة التطورات العلمية ومراجعة أساليب الوقاية، مع التأكيد على أن الوعي المجتمعي والتحديث المستمر للبروتوكولات الصحية هو السبيل الأمثل لمواجهة أي موجة جديدة.
تعليقات