تحتفل مصر في الخامس والعشرين من أبريل من كل عام بـ ملحمة تحرير سيناء، ذلك الحدث التاريخي الذي يمثل استعادة الدولة لسيادتها الكاملة على أرضها بعد سنوات من الاحتلال، ويمثل علامة فارقة في التاريخ المصري الحديث.
لم تكن هذه الذكرى الوطنية مجرد محطة في كتب التاريخ، بل وثّقتها السينما المصرية على مدار عقود، من خلال مجموعة من الأفلام التي تناولت بطولات الجيش المصري وتضحياته في سبيل استعادة الأرض والكرامة.
السينما.. ذاكرة الوطن ومرآة نضاله
عُرفت السينما المصرية دائمًا بأنها مرآة صادقة لوجدان الشعب، فلم تغب عنها لحظة كبرى بحجم تحرير سيناء، بل بادرت بتوثيقها، حتى قبل تحققها فعليًا، من خلال أفلام جسدت ملحمة المقاومة والصمود، واحتفت بالبطولات الفردية والجماعية لجنود مصر في أشد اللحظات حرجًا.
“أغنية على الممر”.. البداية قبل النصر
رغم أن تحرير سيناء تم رسميًا في عام 1982، فإن السينما المصرية سبقت ذلك بسنوات، فقدّم المخرج علي عبد الخالق عام 1972 فيلم “أغنية على الممر”، من بطولة محمود ياسين وصلاح قابيل ومديحة كامل.
الفيلم جسّد مأساة وصمود فصيلة من الجنود المصريين حوصروا في ممر استراتيجي بعد نكسة 1967، ورفضوا الاستسلام رغم نفاد الذخيرة. لم يكن الفيلم توثيقًا لحرب بعينها بقدر ما كان تمهيدًا دراميًا لروح التحدي والإصرار التي ستقود لاحقًا إلى النصر.

بعد أكتوبر.. موجة من الأفلام الوطنية
مع نصر أكتوبر 1973، ازدهرت السينما الوطنية، وبدأت موجة من الأفلام التي أرّخت لانتصارات الجيش المصري، وأبرزها فيلم “الرصاصة لا تزال في جيبي” (1974) للمخرج حسام الدين مصطفى.
الفيلم تناول رحلة جندي مصري عايش الهزيمة وشارك في النصر، وجسد بطولات الجنود على جبهات القتال، من خلال أداء مميز لمحمود ياسين ونجوى إبراهيم وصلاح السعدني.
“أبناء الصمت”.. ملحمة حرب الاستنزاف
وفي العام ذاته، قدّم المخرج محمد راضي فيلم “أبناء الصمت”، الذي يعد من أبرز أفلام تلك المرحلة، حيث عرض بطولات الجنود المصريين منذ حرب الاستنزاف وحتى لحظة العبور، بمشاركة نجوم مثل نور الشريف، وأحمد زكي، وميرفت أمين.

الدراما العاطفية في زمن الحرب: “الوفاء العظيم” و”حتى آخر العمر”
لم تكتفِ السينما بتوثيق المعارك فقط، بل قدّمت الجانب الإنساني للحرب، ففي “الوفاء العظيم” (1974) ظهر الأثر النفسي والاجتماعي للصراع من خلال قصة حب تتأرجح بين الفقد والانتصار، من بطولة نجلاء فتحي ومحمود ياسين.
أما فيلم “حتى آخر العمر” (1975) للمخرج أشرف فهمي، فركّز على الضربة الجوية الأولى، متناولًا بسالة الجنود وعلاقاتهم الإنسانية في قلب المعركة.
“الطريق إلى إيلات”.. بطولات تحت الماء
في نقلة نوعية، جاء فيلم “الطريق إلى إيلات” عام 1993 ليسلط الضوء على بطولات القوات البحرية، وتحديدًا عملية تدمير السفن الإسرائيلية في ميناء إيلات عام 1969. أ
خرجته إنعام محمد علي، وقام ببطولته عزت العلايلي وصلاح ذو الفقار ونبيل الحلفاوي، وأصبح لاحقًا من أهم الأفلام التي يتلقاها الجيل الجديد لفهم طبيعة معارك ما قبل التحرير.
“أيام السادات”: قراءة سياسية قبل قرار الحرب
وفي عام 2001، قدّم الفنان الراحل أحمد زكي فيلم “أيام السادات”، الذي لم يكن حربيًا بقدر ما كان سياسيًا، إذ استعرض حياة الرئيس أنور السادات وقراراته المصيرية، مبرزًا الخلفية السياسية والدبلوماسية التي سبقت الحرب، ما يجعله عملًا مكملًا لصورة التحرير وإن اختلفت زاويته.

“الممر”.. عودة الروح للسينما الوطنية
بعد سنوات من الغياب النسبي للأفلام الوطنية، جاء فيلم “الممر” (2019) للمخرج شريف عرفة، ليعيد الحماسة والروح إلى السينما الوطنية، ويركّز على بطولات قوات الصاعقة في حرب الاستنزاف.
الفيلم الذي قام ببطولته أحمد عز، وأحمد رزق، ومحمد فراج، لاقى نجاحًا جماهيريًا لافتًا، خاصة بين الشباب، الذين وجدوا فيه صورة درامية حيّة للتضحيات التي مهدت لتحرير سيناء.

السينما.. وثيقة لتجسيد ملحمة تحرير سيناء
في ذكرى تحرير سيناء، تبدو السينما المصرية وكأنها وثيقة وجدانية ووطنية، سجّلت لحظات الانكسار والانتصار، وخلّدت أسماء ومواقف، وشكّلت وعي أجيال بأهمية الكفاح والتضحيات من أجل الوطن. وبين مشهد ومشهد، ظلّت الكاميرا حاضرة، تروي القصة التي بدأت بالألم وانتهت بالتحرير
تعليقات