في وقت تتعالى فيه الدعوات لتحقيق العدالة وتيسير سبل الوصول إليها، يجد المواطن نفسه اليوم أمام واقع مرير يتمثل في الارتفاع الجنوني للرسوم القضائية، ما حوّل أبواب المحاكم إلى عتبات مكلفة لا يطرقها إلا من يملك الثمن.
ورغم أن الدستور المصري ينص في مادته الـ97 على أن “التقاضي حق مصون ومكفول للكافة”، تصاعدت حدة الأزمة بين نقابة المحامين والجهات المعنية، بعد أن فُرضت رسوم إضافية على التقاضي، تحت مسمى “رسوم مميكنة”.
وتطور الأمر سريعًا من مجرد احتجاجات نقابية إلى أزمة شاملة داخل امحاكم بعدما شهدت ساحاتها حالة من الارتباك بسبب الإضرابات المتتالية، وصدور قرارات مؤخرًا بالشطب الجماعي للدعاوى، نتيجة اضراب المحامين عن الجلسات، ما تسبب في تفاقم الأزمة، وطرح تساؤل هل تعود أزمة المحامين مع محاكم الاستئناف بالضرر عل المواطنين؟
كيف تعاملت نقابة المحامين مع الأزمة؟
شهدت مقار المحاكم الابتدائية والاستئنافية في جميع أنحاء الجمهورية وقفات احتجاجية نظمها المحامون أكثر من مرة منذ فرض الرسزم، وذلك رفضًا لقرار فرض رسوم جديدة على إجراءات التقاضي تحت اسم “مقابل خدمات مميكنة”، وهو ما اعتبرته نقابة المحامين مخالفة صريحة للدستور والقانون.
وترى نقابة المحامين أن فرض هذه الرسوم يشكل عبئًا ماليًا على المتقاضين، ويقيد حقهم الدستوري في اللجوء إلى القضاء، مؤكدة أن هذه الرسوم صدرت دون سند تشريعي، مما يجعلها باطلة قانونًا، حيث أن “لا رسوم إلا بقانون” هو مبدأ دستوري ثابت.
وأشرف مجلس النقابة العامة، برئاسة عبدالحليم علام، نقيب المحامين على تنظيم الوقفات، موجهًا بتفعيل قرارات الجمعية العمومية، والتي شملت الامتناع عن توريد الرسوم لمحاكم الاستئناف، وفرض الاضراب العام وغير ذلك.
نقيب المحامين: الرسوم القضائية الحالية غير قانونية وتقيّد حق المواطنين في التقاضي
أعرب عبد الحليم علام، نقيب المحامين، عن رفضه الشديد للزيادات الأخيرة في الرسوم القضائية، مؤكدًا أن ما يتم تحصيله حاليًا داخل المحاكم لا يستند إلى أي سند قانوني، ويُعد تجاوزًا واضحًا للنظام التشريعي القائم.
وأوضح في تصريحات متلفزة أن المحاكم المصرية لا تزال تطبق قانون الرسوم القضائية رقم 90 لسنة 1944، رغم مرور أكثر من ثمانية عقود على صدوره، وفشل كل المحاولات السابقة لتعديله.
وكشف علام أن آخر محاولة تشريعية لتعديل هذا القانون كانت في عام 2017، حين تقدم البرلمان بمشروع قانون جديد، لكن تم رفضه، ما يعني أن أية زيادات تُفرض الآن خارج الإطار القانوني والدستوري.
وأشار نقيب المحامين إلى أن رسوم الاطلاع على أوراق القضايا شهدت ارتفاعًا غير مسبوق في فترة زمنية قصيرة، إذ ارتفعت من 5 جنيهات حتى فبراير الماضي إلى 25 جنيهًا في أبريل، قبل أن تصل مؤخرًا إلى 33 جنيهًا، دون صدور قانون جديد أو قرار رسمي من وزارة العدل يُقر هذه الزيادة.
وسلّط علام الضوء على حالات واقعية تكشف حجم المعاناة، من بينها سيدة من محافظة المنيا طُلب منها دفع 10 آلاف جنيه مقابل استلام منقولاتها من طليقها، وهي إجراءات كانت تكلف 80 جنيهًا فقط في السابق.
كيف تعاملت محاكم الاستئناف مع الأزمة؟
ردت بعض محاكم الاستئناف على موقف نقابة المحامين وقرار الامتناع عن سداد الرسوم القضائية الجديدة، بإصدار قرارات بشطب عدد من الدعاوى المنظورة أمامها، وذلك بحجة عدم سداد مقابل الخدمات المميكنة، ما أثار موجة غضب واسعة في صفوف المحامين واعتبروه تصعيدًا غير قانوني.
وقالت إحدى أعضاء الجمعية العمومية لنقابة المحامين: ” “الحقيقة، لما حضرتك تعلن الإضراب والمحامون يمتنعون عن الحضور، وتكتشف أن كل الدعاوى تم شطبها لعدم حضور المحامي، المفروض يكون في خطوتين هنا أولًا التنسيق بين النقابة والمحامين بحيث يتم التنبيه على الموكلين لحضور الجلسات لضمان تحقيق الهدف من الإضراب دون التأثير على حقوقهم”.
وتابعت: “ثانيًا، كان يجب على النقابة أن تضع هذا في الحسبان عند اتخاذ القرار، لأن شطب الدعاوى يؤدي إلى دفع رسوم جديدة لتجديد القضايا التي تم شطبها، وهو ما يضر بالموكلين الذين كانوا في الأساس يعانون من الأعباء المالية، والمفترض أن تكون هذه الخطوة لحمايتهم من تلك الأعباء”.
وأكملت: “اللوم في هذا الأمر لا يقع فقط على النقابة، ولكن على الدولة التي صمتت عن سماع الصوت المعترض، وأيضًا على القضاة الذين تعاملوا مع الأمر بشكل متعنت، والمخالفين لقرار النقابة. كان يجب أن يكون القرار المدروس بعناية، وإذا كان لا بد من الإضراب، كان من الأفضل أن يتم التنسيق مع المحاكم والمحامين لتقليل الأضرار على المواطنين والمواطنات الذين هم في أمس الحاجة إلى العدالة”
وقال آخر: “”ولا ينعكس عن هذا سوى حالة العناد التي تسيطر على صاحب القرار في محاكم الاستئناف، حيث ردة الفعل كانت شطب الدعاوى كعقاب على الإضراب، ليكون الضحية في النهاية هو المواطن البسيط”
وأضاف: “فالضريبة التي سيدفعها المواطن ستكون مضاعفة، سواء في فرض الرسوم الجائرة أو من خلال التأثير على حقه في التقاضي بسبب تصعيد النقابة الذي كان ينبغي أن يُدار بحذر أكبر”ز
وتابع: “لكن في النهاية، من يمتلك النفس الطويل هو من سيفوز في هذه المعركة. دعمنا الكامل لمعالي نقيب المحامين وأعضاء مجلسه في كل ما يصدر عنهم من قرارات سليمة في هذا السياق”.
واختتم: “أما بالنسبة للزملاء الذين خالفوا قرار النقابة العامة، فإنكم شريك في هذه الجباية وفي تضرر زملائكم بشطب استئنافاتهم. فلا تظنوا أن المحكمة ستتأثر بهذه المخالفات، تذكروا دائمًا: “إن الحكم إلا لله”.
اقرأ أيضًا: إضراب المحامين في محكمة الاستئناف العالي بأكتوبر اعتراضًا على الرسوم القضائية
أسعد هيكل: إضراب النقابة مستمر ومطالبنا تتصاعد في ظل شطب القضايا
أكد المحامي أسعد هيكل، أن الإضراب الذي أعلنته النقابة العامة للمحامين ضد زيادة الرسوم القضائية مستمر كما هو دون تراجع، مؤكدًا أن نقابة المحامين لن تتراجع عن قرارها، وأن الرد من قبل محاكم الاستئناف بشطب الدعاوى لا يعني تغييرًا في موقف النقابة، بل هو دليل على تعنت بعض الأطراف ضد مطالب المحامين الشرعية.
وأكد هيكل في تصريحات خاصة لـ “الحرية” أن النقابة تنتظر اجتماع الجمعية العمومية للمحامين خلال الأيام المقبلة، حيث من المتوقع أن تشهد الحشود دعمًا كبيرًا لموقف النقابة، وأن القرارات التي ستصدر عن الجمعية العمومية ستكون حاسمة.
وأشار إلى أن الجمعية العمومية ستناقش كافة الخيارات أمام المحامين في حال استمرار عدم استجابة الجهات القضائية، متوقعًا أن تكون القرارات التي ستصدر قوية وستعكس رغبة المحامين في الحفاظ على حقوقهم وحقوق موكليهم، بما في ذلك الحق في التقاضي دون أي أعباء مالية غير قانونية.
وشدد هيكل على أن النقابة لن تتوانى في متابعة الوضع عن كثب، وأن المحامين سيواصلون سعيهم لتحقيق مطالبهم من أجل ضمان وصول العدالة لكل المواطنين دون أي عوائق مالية.
اقرأ أيضًا: نقيب المحامين يُصدر عقوبات بحق 61 عضوًا خالفوا قرار عدم توريد الرسوم لخزائن المحاكم
محمود سلامة الشهاوي: زيادة الرسوم القضائية مخالفة قانونية والرد سيكون تصعيدًا كاملًا
أكد المحامي محمود سلامة الشهاوي أن زيادة الرسوم القضائية التي تم فرضها مؤخرًا من قبل بعض محاكم الاستئناف تعتبر مخالفة صريحة للقانون، مشددًا على أن هذه الزيادات غير قانونية وتمثل تجاوزًا من قبل رؤساء المحاكم الذين لا يملكون الحق في فرض مثل هذه الرسوم بشكل منفرد.
وأشار الشهاوي في تصريحات خاصة لـ “الحرية” إلى أن هذا الوضع يسبب تأثيرًا سلبيًا مباشرًا على المواطنين، حيث يزيد من الأعباء المالية عليهم ويعرقل وصولهم إلى العدالة.
وأكد أن شطب الدعاوى بسبب عدم حضور المحامين أثناء الإضراب يزيد من تعقيد الأمور للمواطنين، حيث يجدون أنفسهم أمام رسوم جديدة لتجديد القضايا بعد شطبها، مما يعني أن الموكلين سيكونون مضطرين لدفع رسوم إضافية من أجل استئناف قضاياهم.
وأوضح الشهاوي أن نقابة المحامين تعمل بشكل جاد على إطفاء فتيل الفتنة والتصعيد، ولكن في حال استمرار هذه المخالفات وعدم التراجع عنها، فإن النقابة قد تتجه إلى تصعيد الموقف بشكل أكبر، ويشمل ذلك المقاطعة الكاملة لجميع محاكم الجمهورية بكل درجاتها.
وأشار إلى أن المبالغ التي تم فرضها كرسوم جديدة، مثل الـ149 ألف جنيه رسوم إبراء ذمة في أحد القضايا التي تم فرضها حديثًا في محكمة استئناف، تعتبر مبالغًا فيها بشكل كبير مقارنةً بما كان معمولًا به سابقًا، حيث كانت الرسوم لا تصل لذلك.
وأكد أن هذه القرارات لم تصدر عن وزارة العدل، مما يزيد من تعقيد الوضع ويؤكد أن القرار كان غير مدروس ومبالغًا فيه، مؤكدًا أن نقابة المحامين ستواصل التصعيد في حال عدم التراجع عن هذه الزيادة.
اقرأ أيضًا: أبرزها الإضراب العام.. نقابة المحامين تصعد احتجاجها ضد الرسوم القضائية وتناشد الرئيس السيسي التدخل
تعليقات