انطلقت في كلية الحقوق بجامعة حلوان فعاليات المؤتمر الدولي الأول بعنوان «آفاق العدالة الرقمية ومستقبل التقاضي عن بُعد»، احتفالًا بمرور ثلاثين عامًا على تأسيس الكلية، وسط حضور رفيع المستوى من قضاة وباحثين وخبراء قانونيين من عدة دول عربية، في مشهد علمي اتحدت فيه الرؤى القانونية حول مستقبل القضاء الإلكتروني.
جاء المؤتمر تحت رعاية الدكتور السيد قنديل، رئيس الجامعة، والدكتورة أمل لطفي، عميد الكلية، وبمشاركة نواب رئيس الجامعة الدكتور عماد أبو الدهب والدكتور حسام رفاعي، وإشراف الدكتور أسامة حمزة، وكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة.
وشهدت الفعاليات مشاركة متميزة من 11 قاضيًا من ديوان المظالم بالمملكة العربية السعودية، إلى جانب تقديم 20 بحثًا علميًا من دول عدة، من بينها الأردن والعراق والإمارات والسعودية.
عمرو عبد الرازق تعلب: لا رفاهية في العدالة الجنائية
وكان من أبرز المشاركات البحثية في المؤتمر، دراسة علمية قدمها الدكتور عمرو عبد الرازق تعلب، تناول فيها الآثار القانونية لإجراءات التقاضي الجنائي عن بُعد على ضمانات المتهم والمجني عليه. وقد حظي البحث باهتمام واسع لما طرحه من إشكاليات عميقة تتصل بجوهر العدالة الجنائية في ظل التحول الرقمي.
وأوضح الدكتور تعلب في عرضه أن «القضاء الجنائي له خصوصيته، والجريمة الجنائية لها خطورتها ووقع مختلف، والمحاكمة الجنائية محفوفة بالمخاطر». وشدد على أن القاضي الجنائي ليس مجرد مُطبِّق للنصوص بل هو «قاضي وجدان في المقام الأول»، وهو ما يجعل اللجوء إلى إجراءات التقاضي عن بُعد في القضايا الجنائية أمرًا بالغ الحساسية لا بد أن يخضع لمعيار الضرورة.
وأكد أن استخدام الوسائط الرقمية في المحاكمات لا ينبغي أن يكون على حساب ضمانات المتهم والمجني عليه والشهود، واصفًا إياها بـ«الضرورة القصوى» التي لا يجوز التنازل عنها أو حتى المساس بها. وأضاف: «إذا أصبحت إجراءات التقاضي عن بُعد رفاهية فرضتها التقنية، فإن العدالة الجنائية لا تعرف الرفاهية بل تقوم على الحذر والدقة».
وأشار إلى خطورة أن تتحول الوسائل الرقمية إلى وجه قبيح من وجوه التقدم البشري، إذا ما أفضت إلى المساس بجوهر العدالة، قائلًا: «الدساتير والقوانين وكل المنظومة القضائية ما وُجدت إلا لتكريس العدالة، وإذا فُقدت ضاعت الغاية من مرفق القضاء».
ودعا الدكتور تعلب إلى ضرورة توفير بنية تحتية تقنية آمنة، وكوادر قضائية وقانونية قادرة على التعامل مع الإجراءات الرقمية، مقترحًا أن يتم إنشاء وظائف جديدة مثل «مأمور ضبط قضائي تقني» و«قاضٍ تقني»، إلى جانب نشر الوعي المجتمعي بثقافة التقاضي الرقمي، لضمان عدم تحوّل التقنية إلى عقبة أمام العدالة.
المؤتمر يختتم أعماله بتوصيات لحماية العدالة الرقمية
وشهد المؤتمر ندوة موسعة شارك فيها عدد من مستشاري هيئة قضايا الدولة ومجلس الدولة، ناقشوا من خلالها التحديات العملية لتطبيق منظومة التقاضي عن بُعد، وسلطوا الضوء على التجارب التي خاضتها الجهات القضائية المصرية في هذا المجال.
واختُتمت فعاليات المؤتمر بتكريم أصحاب الأبحاث الثلاثة الفائزة، من بينها بحث أردني وبحثان مصريان، كما قدم طلاب كورال كلية التربية الموسيقية وطالبات كلية علوم الرياضة بنات عروضًا فنية نالت إعجاب الحاضرين.
وأوصى المشاركون في ختام المؤتمر بحزمة من السياسات والتدابير، شملت تحديث التشريعات الإجرائية بما يجيز الجلسات الرقمية مع ضمان العلانية وحقوق الدفاع، وتنظيم الإثبات الإلكتروني، وتأمين سرية البيانات القضائية، وتدريب الكوادر الفنية والقضائية، واعتماد نظم الهوية والتوقيع الرقمي، مع وضع آليات احتياطية للتعامل مع أي خلل تقني طارئ قد يُهدد سلامة إجراءات التقاضي.
تعليقات