في يوم 16 نوفمبر من العام الماضي 2024، في إحدى المدن الأفريقية التي تقع بين دولتي زامبيا وزيمبابوي، استقبل فادي حيدر نبأ إصابة شقيقته الصغرى “سيلين” بشظية أثناء قصف الاحتلال الإسرائيلي لضوحي بيروت، كالصاعقة.
كانت سيلين حيدر صاحبة الـ19 عاما، مرحة تحب الحياة، دوما نشطة تملأ الأجواء حولها بالبهجة، مثلما وصفها شقيقها فادي، في تصريحات خاصة لـ”موقعنا الإخباري”، فمنذ الصغر تحدت سيلين بعض العادات بحماسها، عندما مارست كرة القدم، الرياضة الذكورية، لكنها بقوة شخصيتها أقنعت عائلتها، وحصلت في النهاية على ما تريد.
وعُرفت سيلين بشخصيتها القوية العنيدة، فدوما تحصل على ما تريد، ويقول مدربها في تصريحات لموقع “ذا أثليتك”: “سمعت أنها فتاة عنيدة وقلت لن نتفق، لكنني فوجئت برسالة نصية منها تقول فيها: يا مدرب، لقد سمعت أنك لا تريدني، ولكنني أريد اللعب، لذا عليك أن تأخذني معك، فقلت لها: حسنًا، التدريب يبدأ في الساعة 6:45 مساءً اليوم، وبدأنا هذه الرحلة الجميلة معًا”.
وفي أول موسمين مع فريقها أكاديمية بيروت لكرة القدم، ساعدات سيلين النادي على الفوز بلقب تحت 19 عامًا وبطولة الدوري الأول في موسم 2023-24، إذ شاركت في 33 مباراة بالدوري الممتاز، وقال عنها مدربها أنها “معجزة”، وواحدة من أفضل لاعبات خط الوسط في لبنان، فرغم سنها الصغير، كانت أحد العناصر الأساسية مع منتخب بلادها وارتدت شارة القيادة، لدرجة أنهم أطلقوا عليها لقب “الكابتن الصغير”.
وساعدت سيلين منتخب لبنان تحت 18 عاما، على الفوز بكأس غرب آسيا، اللقب الثاني في تاريخن، وتم استدعاءها أربع مرات للانضمام إلى المنتخب الوطني اللبناني الأول.
سقوط سيلين في قصف الاحتلال
في يوم 10 أغسطس 2024، كانت سيلين تحتفل مع فريقها، بأول لقب له في الدوري اللبناني لكرة القدم للسيدات، وكانت الحياة تبتسم للفتاة العنيدة التي تحقق حلمها، حتى تحولت تلك اللحظات إلى صافرات إنذار وغارات جوية مصحوبة بصوت طائرات كاد أن يعتاد عليه الأطفال في بيروت.
وخلال شهري أكتوبر ونوفمبر 2024، اضطر المدنيون بما فيهم سيلين وعائلتها، إلى ترك منازلهم والنزوح إلى أماكن أخرى، ولجأت عائلة سيلين إلى بعقلين، وهي قرية في جبال الشوف خارج العاصمةـ حتى يوم 15 نوفمبر، مع هدوء عمليات القصف، عادت سيلين إلى بيروت للتدريب.
وفي اليوم التالي، 16 نوفمبر، أصدر الاحتلال الصهيوني صافرات الإنذار، وأمر بإخلاء بيروت. وعندما كانت سيلين تحاول العودة إلى عائلتها، أصيب بشظية في الجانب الأيمن من رأسها، ويقول شقيقها الذي يعمل في أفريقيا لموقعنا الإخباري: “سيلين أصيبت بشظية برأسها تسببت في إصابتها نزيف بالدماغ و تهشم بالجمجمة، وبقيت حوالي 50 يوما في غيبوبة، كانت مع صديقها تحاول إخلاء المنطقة عندما حصل القصف”.
وأضاف: “وصول خبر مثل هذا وأنت في بلد أخرى، يكون أصعب، خاصة أن الفترة الأولى كانت سيلين بين الحياة والموت، عيشت أيام لا تنسى، كنت دوما على تواصل مع أهلي، لا أكل ولا نوم، سيلين بنت تحب الحياة وخبر أن يحدث هذا لها، صعب علينا ويارب لا أحد في العالم يمر بمثل ما مررنا به، لكن الحمدلله، حاليا وضعها أفضل بدأت أن تستفيق وتتعرف علينا”.
وروت سانا والدة سيلين لـ”ذا أثيليتك” تفاصيل الحادث، وقالت: “كنا على بعد 500 متر عندما بدأت القنابل، اتصل أحد الأصدقاء، وكان يختنق برسالة مفادها أن سيلين مصابة، سألت: إلى أي مدى أصيبت؟ أخبرني أنها أصيبت بجرح في الرأس وفي طريقها إلى مستشفى القديس جاورجيوس في الحدث، ولم أتمكن من مغادرة بعقلين إلا بعد توقف القصف، وعندما وصلت أخيرًا، اقتحمت غرفة الطوارئ حيث كانت ابنتي ترقد في غيبوبة، رأيت الطبيب يقص شعرها، ورأيت وجهها، كان مليئًا بالدماء، وكان هناك جرح في رأسها”.
فيما تقول اللبنانية ليلي اسكندر لاعبة اتحاد جدة السعودي: “عندما سمعت بما حدث، فكرت أنه بإمكاني أن أكون مثلها، يمكن لأي شخص أن يكون مثلها. ترسل لي أختي (التي تعيش في لبنان) رسائل نصية تقول فيها: لا أريد أن أموت. أنا خائفة للغاية، ويسألني الناس في السعودية: لماذا لا تنضم عائلتي إلي؟ ولكن لماذا يكون السؤال دائمًا حول مغادرتنا لمنزلنا؟ لماذا لا يكون السؤال حول مغادرتنا للحرب؟”.
تعليقات