يترقب خبراء القانون الدولي قرار محكمة العدل الدولية بعد أن تقدم السودان بدعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية يتهم فيها دولة الإمارات العربية المتحدة بتأجيج الصراع الداخلي الدائر في البلاد. وتستند الدعوى إلى مزاعم بتورط الإمارات في “إبادة جماعية” ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع بحق قبيلة المساليت في غرب دارفور خلال شهر نوفمبر من العام الماضي.
سابقة قانونية محتملة تُعيد تعريف مسؤولية الدول عن الحروب غير المباشرة
تكتسب هذه القضية أهمية استثنائية لكونها “غير مسبوقة في نطاق القانون الدولي”، ففي حال أصدرت محكمة العدل الدولية حكمًا لصالح السودان، فإن ذلك سيشكل “سابقة قانونية” تاريخية. وسيترتب على هذا الحكم تحميل دولة مسؤولية قانونية عن حرب بالوكالة خاضتها عن بعد، مما سيفتح الباب واسعًا لمساءلة الدول عن أفعالها في هذا النوع من النزاعات. كما أن هذا الحكم من شأنه أن يوفر أساسًا قانونيًا لإعادة تقييم مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى في سياق الحروب غير المباشرة، التي ظلت لعقود طويلة منطقة رمادية يصعب محاسبة المتورطين فيها.
تقلص محتمل للمنطقة الرمادية في الصراعات الدولية
لطالما كانت حروب الوكالة مساحة ضبابية تسمح للدول بتحقيق أهدافها الاستراتيجية دون تحمل التبعات المباشرة لأعمال عسكرية واسعة النطاق. إلا أن هذه الدعوى القضائية الجديدة قد تؤدي، ولو بشكل تدريجي، إلى تقلص هذه المنطقة الرمادية. فإمكانية تجريم المشاركة عن بعد في جرائم الحرب من شأنها أن تضع قيودًا جديدة على تصرفات الدول وتزيد من مسؤوليتها عن الأفعال التي ترتكبها عبر وكلائها.
إعادة نظر محتملة في التحفظات المتعلقة باتفاقية الإبادة الجماعية
يرى خبراء قانونيون أن نجاح الدعوى التي رفعها السودان أمام محكمة العدل الدولية ضد دولة الإمارات قد يفضي إلى إعادة النظر في أدق التحفظات المتعلقة بالمادة التاسعة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. ويشير الخبراء إلى أن هذا الأمر سيكون له تأثير خاص في الحالات التي تتضمن ادعاءات بارتكاب إبادة جماعية، كما هو الحال في القضية الحالية.
فقدان محتمل لحماية الدول من اختصاص المحكمة في قضايا الإبادة الجماعية
ويحذر الخبراء من أن الدول قد تجد نفسها، نتيجة لهذا التطور القانوني المحتمل، أقل قدرة على حماية نفسها من اختصاص محكمة العدل الدولية في مثل هذه القضايا المتعلقة بالإبادة الجماعية. فإعادة تفسير المادة التاسعة قد يوسع نطاق سلطة المحكمة ويقلل من قدرة الدول على التمسك بتحفظاتها السابقة.
توسيع تفسير اتفاقية الإبادة الجماعية ليشمل التورط غير المباشر
من التداعيات الهامة المحتملة لهذه القضية، إذا قررت محكمة العدل الدولية البت فيها، هو إعادة تفسير اتفاقية الإبادة الجماعية لتشمل حالات التورط غير المباشر أو التواطؤ في ارتكاب جرائم الحرب. وهذا التفسير الموسع سيضع مسؤولية أكبر على الدول التي تقدم دعمًا لوجستيًا أو ماليًا أو عسكريًا لأطراف أخرى متورطة في أعمال إبادة جماعية، حتى وإن لم تشارك قواتها بشكل مباشر في تلك الأعمال.
تداعيات أوسع على مفهوم حروب الوكالة ومسؤولية الدول
تأتي هذه التطورات في سياق متزايد الأهمية لمفهوم حروب الوكالة في العلاقات الدولية. فإعادة تعريف المسؤولية عن جرائم الحرب ليشمل التورط غير المباشر سيحمل الدول تبعات أكبر لأفعال وكلائها وقد يغير من الديناميكيات التقليدية للصراعات الدولية التي تعتمد على أطراف ثالثة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية. وعلى الرغم من أن مصطلح “حروب الوكالة” قد يوحي بظاهرة معاصرة، إلا أن هذا النوع من الصراعات له تاريخ طويل ومعقد يمتد عبر العصور. فكرة استخدام طرف ثالث لتحقيق أهداف استراتيجية وتجنب الانخراط المباشر في قتال واسع النطاق ليست جديدة، بل اتخذت أشكالًا متنوعة عبر التاريخ.
تعريف حروب الوكالة: صراعات مُدارة عن بعد لتحقيق أهداف القوى الكبرى
يمكن تعريف حروب الوكالة بأنها صراعات تنخرط فيها قوة كبرى، سواء كانت عالمية أو إقليمية، في تحريض أو دعم أو توجيه طرف آخر لتحقيق أهدافها. في هذا النوع من الصراعات، تحافظ القوة الكبرى عادةً على مسافة من القتال المباشر على الأرض، أو تقتصر مشاركتها على حد أدنى، تاركةً المهمة الرئيسية لوكيلها المحلي.
تتميز حروب الوكالة عن الصراعات التقليدية التي تشارك فيها الدول بقواتها بشكل مباشر وتتحمل العبء الأكبر من القتال الفعلي. كما أنها تختلف عن التحالفات العسكرية، حيث تساهم الدول الكبرى والصغرى بقدراتها المختلفة في إطار هدف مشترك ومعلن.
تعليقات