تشهد العلاقات بين إسرائيل والفاتيكان فتورًا ملحوظًا بدأت شرارته مع تأخر إسرائيل في تقديم التعزية بوفاة البابا فرنسيس، الذي عُرف بمواقفه المنتقدة بشدة للحرب الدائرة في قطاع غزة. وقد أثار هذا التأخير استياءً في الأوساط الفاتيكانية، خاصة بالنظر إلى أهمية البابا ومكانته الروحية العالمية.
الخارجية الإسرائيلية تحذف رسائل تعزية بعثتها البعثات الدبلوماسية حول العالم
في خطوة زادت من حدة التوتر، ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن وزارة الخارجية الإسرائيلية قامت بحذف رسائل تعزية كانت قد نشرتها البعثات الإسرائيلية حول العالم فور الإعلان عن وفاة البابا فرنسيس. ولم يتم تقديم تفسير واضح لهذا الإجراء، لكنه أثار تساؤلات حول الموقف الرسمي الإسرائيلي تجاه الفاتيكان في هذه اللحظة الحساسة.
تخفيض مستوى التمثيل الإسرائيلي في مراسم الفاتيكان للمرة الأولى
وصلت تداعيات هذه الأزمة إلى تخفيض مستوى المشاركة الإسرائيلية في المراسم المتعلقة بوفاة البابا. وذكرت التقارير أن إسرائيل قررت إيفاد سفيرها لدى الفاتيكان فقط لحضور هذه المراسم، وهو ما يعتبر سابقة في البروتوكولات الدبلوماسية بين الدولتين ويعكس عمق الخلاف الناشئ. ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها إشارة واضحة إلى حالة الاستياء وعدم الرضا في الجانب الإسرائيلي، على الرغم من أهمية العلاقات التاريخية والدينية مع الكرسي الرسولي. ويمثل الخلاف اللاهوتي بين الكنيسة الكاثوليكية واليهودية أحد أقدم وأعمق الخلافات الدينية في التاريخ. وعلى الرغم من جذورهما المشتركة في الديانة الإبراهيمية، تطورت هاتان الديانتان بشكل منفصل، مما أدى إلى اختلافات جوهرية في العقائد والممارسات. يمكن تلخيص أبرز نقاط الخلاف اللاهوتي فيما يلي:
المسيح المنتظر (المشيح)
اليهودية: ينتظر اليهود مجيء المسيح المنتظر (المشيح) الذي سيقودهم إلى عصر من السلام والعدل والازدهار، ويقيم مملكة إسرائيلية أرضية. لم يعترفوا بيسوع الناصري باعتباره المسيح الموعود، ويرون أن النبوءات المتعلقة بالمسيح لم تتحقق بعد.
الكنيسة الكاثوليكية: تؤمن بأن يسوع المسيح هو المسيح المنتظر الذي تنبأت به الكتب المقدسة العبرية (العهد القديم). ويعتقدون أنه جاء ليخلص البشرية من الخطيئة والموت، وأسس مملكة روحية لا أرضية.
طبيعة الله والثالوث
اليهودية: تؤكد على وحدانية الله المطلقة وغير القابلة للتجزئة. ويعتبرون مفهوم الثالوث (الإله الواحد في ثلاثة أقانيم: الآب والابن والروح القدس) الذي تؤمن به الكنيسة الكاثوليكية خروجًا عن هذا المبدأ الأساسي للتوحيد.
الكنيسة الكاثوليكية: تؤمن بإله واحد، لكنها تراه موجودًا كثالوث: الآب، والابن (يسوع المسيح المتجسد)، والروح القدس. وتعتبر هذه العقيدة سرًا أساسيًا في الإيمان المسيحي.
العهد القديم والعهد الجديد
اليهودية: تعتبر التوراة (الأسفار الخمسة الأولى من الكتاب المقدس العبري) هي الشريعة الإلهية الأساسية والأبدية. بينما تعترف ببقية الكتاب المقدس العبري (العهد القديم)، فإنها لا تعترف بالعهد الجديد كجزء من الكتاب المقدس الملزم.
الكنيسة الكاثوليكية: تعتبر كلاً من العهد القديم والعهد الجديد جزءًا من الكتاب المقدس الموحى به من الله. ترى أن العهد الجديد هو تحقيق وكمال للعهد القديم، وأن يسوع المسيح هو محور الكتاب المقدس بأكمله.
الخلاص والخطيئة
اليهودية: تركز تقليديًا على أهمية الأعمال الصالحة والالتزام بالشريعة (المצוوت) كطريق لخدمة الله والعيش في قداسته. يعتبرون الخطيئة مخالفة لوصايا الله، والتوبة والاستغفار ضروريان للمغفرة.
الكنيسة الكاثوليكية: تؤمن بأن الخلاص يأتي بنعمة الله من خلال الإيمان بيسوع المسيح والتوبة عن الخطايا. بينما تؤكد على أهمية الأعمال الصالحة، فإنها ترى أنها نتيجة للإيمان الحقيقي وليست وسيلة للخلاص بحد ذاتها. كما لديها مفاهيم محددة للخطيئة الأصلية وأنواع الخطايا (المميتة والعرضية) وكيفية المغفرة من خلال الأسرار المقدسة مثل الاعتراف.
الشريعة والطقوس
اليهودية: لديها نظام شامل من القوانين والطقوس (الهالاخاه) التي تنظم جوانب الحياة المختلفة، بما في ذلك الطعام (الكشروت)، والسبت، والأعياد. تعتبر هذه القوانين تعبيرًا عن عهد الله مع شعبه.
الكنيسة الكاثوليكية: تحتفظ ببعض جوانب الشريعة القديمة، لكنها ترى أن العديد من الطقوس والفرائض قد تحققت وتجاوزت في المسيح. لديها نظامها الخاص من الأسرار المقدسة والطقوس الليتورجية التي تعتبر وسائل لنعمة الله.
شعب الله المختار
اليهودية: ترى أن الشعب اليهودي هو شعب الله المختار، الذي اختاره الله لعهد خاص وأعطاه التوراة.
الكنيسة الكاثوليكية: تؤمن بأن العهد القديم كان مع الشعب اليهودي، ولكن مع مجيء المسيح، امتد الخلاص ليشمل جميع الأمم الذين يؤمنون به، ليشكلوا “شعب الله الجديد” أو الكنيسة.
على مر القرون، أدت هذه الخلافات اللاهوتية إلى توترات وصراعات في العلاقات بين اليهود والكاثوليك. ومع ذلك، شهد القرن العشرون تحسنًا ملحوظًا في الحوار بين الديانتين، مع اعتراف الكنيسة الكاثوليكية بالجذور اليهودية للمسيحية ورفضها للاتهامات التاريخية لليهود بقتل المسيح. يستمر الحوار اللاهوتي في محاولة لتعزيز التفاهم والاحترام المتبادلين، مع الاعتراف بالخلافات الجوهرية القائمة.
تعليقات