القاهرة (خاص عن مصر)- في تحوُّل جيوسياسي كبير في روسيا، ستتلقى أوروبا شحنتها الأخيرة من غاز روسيا عبر خطوط الأنابيب الأوكرانية مع دقات الساعة منتصف الليل في يوم رأس السنة الجديدة.
وفقا لتقرير الجارديان، يمثل هذا التوقف نهاية اتفاقية العبور التي استمرت خمس سنوات ويؤكد المشهد الطاقي المتطور بعد غزو روسيا لأوكرانيا في عام 2022.
نقطة تحول لأمن الطاقة في أوروبا
يشير إنهاء الاتفاقية إلى نهاية حاسمة لشريان غاز رئيسي يربط احتياطيات روسيا بأوروبا. بعد أن كانت أكبر مورد للغاز الطبيعي في القارة، شهدت روسيا تآكل هيمنتها على السوق مع تحول الدول الأوروبية نحو مصادر بديلة مثل الولايات المتحدة والنرويج وقطر.
أوضح توم مارزيك مانسر، محلل سوق الغاز المستقل، “هذه لحظة ذات أهمية جيوسياسية. من المرجح أن تزيد دول أوروبا الشرقية من اعتمادها على أسواق الغاز في شمال غرب أوروبا، مما يقلل بشكل أكبر من نفوذ روسيا في مجال الطاقة في المنطقة”.
اقرأ أيضًا: اضطراب في سوق القهوة والنفط والسلع الأساسية.. رؤى رئيسية لعام 2025
اختبار مرونة أوكرانيا وسط صقيع الشتاء
يأتي قطع الإمدادات في وقت صعب بالنسبة لأوكرانيا. ففي مواجهة النكسات العسكرية في مناطقها الشرقية والدعم الأميركي غير المؤكد في ظل إدارة ترامب القادمة، يتعين على كييف الآن أن تتكيف مع خسارة رسوم العبور ونقص الغاز المحتمل خلال فصل الشتاء القارس.
وفي حين قد يكفي إنتاج الغاز المحلي وتخزينه في أوكرانيا في ظل الظروف العادية، حذرت وكالة الطاقة الدولية من أن الشتاء الأكثر برودة من المتوسط قد يستلزم زيادة واردات الغاز من الاتحاد الأوروبي.
احتياطيات الغاز في أوروبا تحت الضغط
من المتوقع أن تجتاح موجة البرد أوروبا هذا الأسبوع وتهدد بتسريع استنفاد احتياطيات الغاز. وتتوقع مدن مثل لندن وباريس وبرلين درجات حرارة تحت الصفر، مما قد يدفع الطلب على التدفئة إلى أعلى مستوياته هذا الموسم.
انخفضت احتياطيات الغاز في أوروبا بالفعل بنحو 20٪ منذ سبتمبر، وهو تناقض صارخ مع الانخفاضات أحادية الرقم المسجلة في السنوات السابقة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى فصول الشتاء الأكثر اعتدالًا وانخفاض الطلب الصناعي.
أدى هذا الانخفاض السريع إلى ارتفاع أسعار الغاز القياسية بنسبة 5% هذا الأسبوع، لتقترب من أعلى مستوى سنوي لها عند 49 يورو لكل ميجاواط/ساعة.
التحديات التي تواجه أسواق الطاقة الأوروبية
يحذر الخبراء من أن الشتاء الحالي قد يوفر أول اختبار ضغط حقيقي لأسواق الغاز الأوروبية منذ بدأت روسيا “تسليح الغاز”. وقد أدى مزيج من الطقس البارد، وساعات النهار القصيرة، وانخفاض توليد طاقة الرياح – والتي يشار إليها في ألمانيا باسم دنكلفلاوت – بالفعل إلى زيادة الاعتماد على محطات الطاقة التي تعمل بالغاز.
وأشار مارزيك مانسر إلى أن “الشتاءين الماضيين كانا معتدلين للغاية. وهذه هي المرة الأولى التي نواجه فيها ظروفًا قد تضغط على سوق الغاز بشكل كبير”.
التداعيات الاقتصادية والسياسية
إن توقف صادرات الغاز الروسي عبر أوكرانيا له آثار اقتصادية واسعة النطاق. حيث من المتوقع أن تخسر أوكرانيا ما يقرب من 800 مليون دولار سنويًا في رسوم العبور، في حين تواجه جازبروم خسارة مذهلة تبلغ 5 مليارات دولار في مبيعات الغاز إلى أوروبا.
في عام 2023، أعلنت شركة غازبروم عن أول خسارة سنوية لها منذ أكثر من عقدين من الزمان، بلغت 7 مليارات دولار.
وفي الوقت نفسه، ألمح رئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيكو إلى قطع إمدادات الكهرباء الاحتياطية إلى أوكرانيا ما لم يتم التوصل إلى اتفاق عبور جديد. ورفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بشدة أي صفقة تعود بالنفع المالي على روسيا، متهمًا فيكو بالتحالف مع مصالح الكرملين من خلال فتح “جبهة طاقة ثانية”.
استمرار طرق الغاز الروسية البديلة
على الرغم من انتهاء العبور الأوكراني، تواصل روسيا توريد الغاز إلى المجر وصربيا عبر خط أنابيب ترك ستريم، الذي يتجاوز أوكرانيا بالمرور تحت البحر الأسود. بالإضافة إلى ذلك، زادت شركة غازبروم من صادرات الغاز الطبيعي المسال للحفاظ على موطئ قدمها في سوق الطاقة العالمية.
إن انتهاء عبور الغاز الروسي عبر أوكرانيا لا يعيد تشكيل ديناميكيات الطاقة في أوروبا فحسب، بل إنه أيضًا بمثابة تذكير صارخ بضعف القارة أمام الضغوط الجيوسياسية. مع اقتراب فصل الشتاء القارس، تظل قدرة البنية الأساسية للطاقة في أوروبا على الصمود وقدرتها على مواجهة هذه التحديات بالغة الأهمية.
تعليقات