هدم منزله واغتيال الإهمال ملامح ذكرياته.. «عزبة الكيلو» بالمنيا موطن طه حسين عميد الأدب العربي في طي النسيان 

المنيا: أسماء محمود

عندما تتجول بين صفحات كتاب الأيام لعميد الأدب العربي طه حسين، وتنصت لموسيقى الكلمات تشعر بالحنين بالذهاب إلى هذا العالم الذي ذكره طه حسين فى قصة “الأيام” وعندما تقرر الذهاب إلى هذا الموطن الذى صوره طه حسين وتستقل قطار الزمن وتسلك الطريق الزراعي بين القرى والنجوع وأنت تتصفح كتاب الأيام وتبحث عن تلك الحكايات التى رواها عميد الأدب العربي بين جنبات الريف ورائحة الأشجار والنخيل وصوت الترع وزقزقة العصافير تجد نفسك تتشوق للوصول إلى هذا الموطن الذي في كتابه.


تمثال الدكتور طه حسين
ميدان طة حسين بمغاغةميدان طة حسين بمغاغة
ميدان طه حسين بمغاغة

“الحنطور والموتسيكلات” وسيلة المواصلات فى ميدان طه حسين

ما أن تأتي اللحظة التي تصل فيها إلى موطن الأحلام تشعر وأنك فىي زمن آخر حيث تسمع ضجيج مركبات “التروسيكلات والموتوسيكلات”، وعندما تعبر مزلقان السكة الحديد تجد الباعة الجائلين على جانبي الطريق وتسمع أصوات الحناطير تتزاحم في الميدان حيث تجد الحناطير وسيلة المواصلات الوحيدة إلى موطن ميلاد طه حسين فهي من المدن القليلة في مصر التي ما زالت تحتفظ بالحنطور باعتباره وسيلة مواصلاتها الرئيسية التي يستخدمها معظم الأهالي.

محمود بائع سندوتشات فى ميدان طة حسينمحمود بائع سندوتشات فى ميدان طة حسين
محمود بائع سندوتشات في ميدان طه حسين

تمثال طه حسين محاط بالباعة الجائلين

وبعد الوصول إلى مدينة مغاغة، التابعة لمحافظة المنيا مسقط رأس «عميد الأدب العربي» الدكتور طه حسين، والذي خلد ذكراها فى رواية الأيام، يظهر على مسافة صغيرة من مزلقان السكة الحديد تمثال عميد الأدب العربي الذى يقف وسط شارع طه حسين ليعلن للزائرين أن هنا موطني وهنا عشت ذكرياتي ولكن هذا المشهد الجمالي يصدمك فجأة بالباعة الجائلين وسائقي التروسيكل وسائقي الحناطير والموتوسيكلات وعربات الكبدة والعصائر.

ووسط هذا الضجيج يقف “محمود” بائع سندوتشات الكبدة ليتحدث عن طه حسين، والذي أكد أن جميع الأهالي هنا يفخرون به ولكن المكان يشكو الإهمال الذي نال من هذا الموطن الجمالي فهذا المكان يعاني من الإهمال والإشغالات وفوضى مرورية وصعوبة فى السير في طريق غير ممهد، متسائلًا كيف يكون هذا المكان موطن عميد الأدب العربي طه حسين ويعاني من هذا الإهمال.

شارع المخزنجي بعزبة الكيلو مقر ميلاد الدكتور طة حسينشارع المخزنجي بعزبة الكيلو مقر ميلاد الدكتور طة حسين
شارع المخزنجي بعزبة الكيلو مقر ميلاد الدكتور طه حسين

“عزبة الكيلو”.. ذكريات النور في عيون قاهر الظلام تعاني الإهمال

وعلى بُعد أمتار من ميدان طه حسين تجد نفسك تصل إلى عزبة الكيلو موطن الدكتور طه حسين، ورغم تغير ملامح المنطقة وتحول المنازل القروية البسيطة إلى عمارات سكنية واختفاء معالم العزبه نهائيًا، إلا أنه ما زال يوجد منطقة صغيرة تضم مجموعة من المنازل تحتفظ بهذا الاسم حتى الآن فهذه المنطقة احتضنت واحدة من أهم وأبرز القصص الملهمة في حياة عميد الأدب العربي وهي قصة نشأة الراحل طه حسين، الذي يعد واحدًا من أهم رواد العلم والمعرفة في تاريخ مصر ورغم تعاقب الأجيال واختفاء السير والذكريات إلا أنك تسمع من الكثير كلمة سمعنا عن الدكتور طه حسين فهنا عاش النور قبل رحلته في قهر الظلام.


عزبة الكيلوعزبة الكيلو
عزبة الكيلو

عزبة الكيلو في طي النسيان واغتالها الإهمال

وقبل ذهابنا إلى عزبة الكيلو، كانت لدينا صورة ذهنية مختلفة عن تلك التي وُجدت بالجولة الميدانية بالعزبة والتي مصدرها كتاب الأيام، والتي حكى عنها الدكتور طه حسين في كتابه عن تفاصيل حياته فى تلك العزبة، التي كان لطبيعتها أثر في تشكيل حياته الأدبية حيث كان الواقع مختلفًا لكل تلك التصورات، فالعزبة أصبحت تميل للمناطق العشوائية وتغيرت ملامح منزل طه حسين بعد أن تم هدمه من قديم الزمن واشتراه رجل آخر بني مكانه عمارة مكونة من أربعة طوابق، وأسفلها صيدلية، وأما عن “كُتاب الشيخ غريب” الذي كان يحفظ فيه القرآن الكريم فتحول مع مرور الزمن والأيام إلى مكان تجاري لبيع الملابس، مما أدى إلى اختفاء صورة الشارع الذي تربى فيه طه حسين وأصبح الإهمال وسوء حالة المكان هي التي تتصدر المشهد.

أبناء عزبة الكيلو يروون ذكريات أسرة طه حسين ويطالبون بتحسين الخدمات

وهنا في عزبة الكيلو يبقى جيل الأبناء والأحفاد ليروي ذكريات الآباء والأجداد مطالبين بمزيد من الاهتمام بهذه العزبة التي تَخلَّد اسمها في كتاب الأيام.

مهندس أحمد مخزنجىمهندس أحمد مخزنجى
مهندس أحمد مخزنجي

تغير معالم عزبة الكيلو مسقط رأس الدكتور طه حسين

وقال  المهندس أحمد المخزنجي، أحد جيران طه حسين، إن هذا المكان تغير كثيرًا عن صورته القديمة فقد ذكر الدكتور طه حسين فى روايته أنه كان يرى ترعة وزرع وحياة قروية ريفية ولكن تلك الحياة تغيرت تمامًا ولكن تعود أهمية هذا المكان ليس فقط لأنه شهد مسقط رأسه، بل لأنها أيضًا، الموضع الوحيد الذي رأى فيه الدكتور طه حسين النور ولكنه أصبح مكانًا مختلفًا تمامًا عن ما ذكره في كتاب الأيام فالمكان أصبح مثل المناطق العشوائية المهملة ويحتاج إلى اهتمام ونظافة وتمهيد للطرق وخدمات.

أبناء عزبة الكيلوأبناء عزبة الكيلو
أبناء عزبة الكيلو

أبناء شارع المخزنجي يطالبون بالاهتمام بموطن قاهر الظلام

وداخل الشارع الذي ذكروا أن به منزل طه حسين، كانت المحال التجارية تطغى على المشهد وتغيرت ملامح المكان وهنا التقينا “حسن جلال توفيق المخزنجي” حفيد الحاج توفيق المخزنجي الذي تم ذكر اسمه فى كتاب “الأيام” وكان صديقًا للدكتور طه حسين الذي رافقه في حفظ القرآن الكريم والدراسة في الأزهر الشريف، حيث أكد المخزنجي أن أسرة الدكتور طه حسين كانت تعيش هنا ومع انتشار مرض الكوليرا هرب الكثير من الأهالي إلى المناطق المجاورة، ولكن يبقى هذا المكان خالدًا في الذكريات ولكن يضربه الإهمال والتهميش فمياه الصرف الصحي تطفح في الشوارع والطرق غير ممهدة وغير نظيفة ولا يوجد خدمات، متمنين أن يضع المسؤولون هذه المنطقة على خطة أولوياتهم لما تتمتع به من ذكريات خالدة.


وقال “جمال عبد الحكيم” وهو من أقدم سكان المنطقة والذي يبلغ من العمر 55 عامًا، “ولدت في هذه العزبة مع أسرتي، وسمعت العديد من الروايات عن الدكتور طه حسين ونحن نفخر أننا من أبناء عزبة الكيلو موطن الدكتور طه حسين ولكننا نتمنى أن تكون هذه العزبة على قدر مكانتها كمسقط رأس عميد الأدب العربي وأن تنال مزيدًا من الاهتمام وأن يضعها المسؤولون في أعينهم ونتمنى أن يتم إنشاء مكتبة باسم الدكتور طه حسين وتكون منارة للثقافة في المنطقة وأن يعود كُتّاب الشيخ غريب لتحفيظ الأطفال القرآن الكريم.

حفيد الشيخ غريبحفيد الشيخ غريب
حفيد الشيخ غريب

حفيد الشيخ غريب مُحفظ طه حسين القرآن يطالب بعودة “الكتاتيب “

وعلى طرف حارة الدكتور طه حسين التقينا الحاج رضا يوسف غريب حفيد الشيخ غريب الذي علَّم طه حسين القرآن الكريم وذكره عميد الأدب العربي في كتاب الأيام، حيث روى لنا الحاج رضا حكايات جده عن طه حسين وعن نبوغه وذكاءه، كما روى لنا حكايات مرض الكوليرا وهروب أهالي العزبة بسبب انتشاره وحُب عميد الأدب العربي للشيخ غريب ودور الشيخ غريب فى مسيرة قاهر الظلام.

ابناء عزبة الكيلوابناء عزبة الكيلو
أبناء عزبة الكيلو

وطالب  الحاج رضا، بعودة الكُتاب لتحفيظ الأطفال القرآن الكريم والاهتمام بالعزبة وتوفير الخدمات بها لأنها موطن عميد الأدب العربي الذى كان له دور بارز في نشر العلم والثقافة.

. .0z3w

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *