تخريب الفضاءات العمومية يدخل الأسرة والمدرسة إلى “قفص الاتهام”

يعمد أشخاص داخل المجتمع المغربي، بين الفينة والأخرى، إلى العبث بالفضاءات والممتلكات العمومية، بدون أن تكون هذه التصرفات مفهومة الدوافع ولا الأهداف، وتتوزع ما بين سرقة أغطية بالوعات وتعييب وسائل النقل العمومي وتخريب مساحات خضراء.

ولعلّ أبرز مثال على استمرار ثقافة استعداء المرافق العمومية لدى البعض، ما حدث بأكادير، الأسبوع الماضي، من تعييب مقاعد خرسانية باستخدام زيت المحركات المستعمل، وهي قضية كانت وراء توقيف ثلاثيني يشتبه في تورطه في إلحاق خسائر مادية بمنشآت عمومية وتعييب أشياء مخصصة للمنفعة العامة.

وقال باحثان في السوسيولوجيا إن “تخريب هذه الممتلكات والتلاعب بها يعود بشكل مباشر إلى منسوب التربية لدى المتورطين فيها، وأيضا إلى طبيعة المعارف التي تلقوها، سواء داخل الأسرة أو المدرسة، لا سيما إن كان الأمر يتعلق بثقافة التعامل مع كل ما يخرج عن الملكية الخاصة”.

وينص الفصل 595 من مجموعة القانون الجنائي على أنه “يُعاقب بالحبس من شهر إلى سنتين وغرامة من مائتين أو خمسمائة درهم من هدم أو كسر أو خرّب أو عيّب شيئا مما يأتي: بناء أو تمثالا أو رسما أو أي شيء آخر مخصصا للزينة والمنفعة العمومية أنشأته أو وضعته السلطة العامة أو أذنت به، بناء أو تمثالا أو رسما أو شيئا ما له قيمة فنية موضوعا في متحف أو مكان مخصص للعبادة، أو أي مبنى مفتوح للجمهور”.

إبراهيم حمداوي، باحث في علم الاجتماع، أكد أن “تخريب الفضاءات العمومية يرتبط بشكل أو بآخر بطبيعة ومنسوب التربية لدى المتورطين في مثل هذه السلوكيات، التي لا تزال ـ مع الأسف ـ حاضرة داخل مجتمعنا، حيث تتواتر الأخبار عن أمثلتها بين الفينة والأخرى”.

وقال حمداوي، في حديث لهسبريس، إن “المعنيين بهذا الموضوع لا يعتبرون ـ مطلقا ـ الفضاءات العمومية جزءا من محيطهم المجتمعي، أو بالأحرى امتدادا لمقرات سكنهم”، موضحا أن “الأسرة والمدرسة لم تتمكّنا بعدُ من النجاح في هذا الاختبار، وذلك من خلال تخريج أفراد لا يتعاملون بمسؤولية مع الملك العمومي”.

وأكد المتحدث أن “الأكثر إثارة للغرابة هو أن أفرادا يستعْدون المرافق العمومية، ممّا يُنتج تصرفات سلبية من قبيل تخريب الطاولات وتجهيزات الملاعب، وكل ما يقدّم مصلحة عمومية، وهو ما يُفهم منه أن هؤلاء يحرصون على مصالحهم الخاصة، لا غير”.

واتفق الحسين العمري، باحث في السوسيولوجيا والأنتروبولوجيا، مع الفكرة التي تفيد بكون الإقدام على تخريب ممتلكات عمومية تقدم خدمات للمواطنين، ضمن تراب حضري محدد، “يعود بالأساس إلى التربية التي تلقاها الفرد، سواء من الأسرة أو داخل فصول الدراسة، مما يؤكد وجود مسؤولية مشتركة ومجتمعية أيضا”.

وقال العمري، ضمن تصريح لهسبريس، إن “هذه السلوكيات تؤكد عدم نجاح المؤسستين المذكورتين في توعية الأفراد الذين تتوليان مسؤولية تكوينهم”، موضحا أن “الواقع يبين كون الوسائل التي يُراهن عليها لتجاوز هذا الأمر يصعب أن تعطي نتيجة أكيدة”.

وبحسب المتحدث ذاته، فإن “الدول المتقدمة وصلت إلى مستوى ثقافي وحضاري فُرض على إثره احترامُ الفضاءات العامة على المواطنين الذين في الأساس يستفيدون منها”، لافتا إلى أن “الوصول إلى النتائج نفسها يقتضي فتح الحوار حول الأسباب التي تقف وراء هذه السلوكيات”.